الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      مسألة وإنما يسأل من عرف علمه وعدالته ، بأن يراه منتصبا لذلك ، والناس متفقون على سؤاله والرجوع إليه . ولا يجوز لمن عرف بضد ذلك ، إجماعا . والحق منع ذلك ممن جهل حاله ، خلافا لقوم . لأنه لا يؤمن كونه جاهلا أو فاسقا ، كروايته ، بل أولى ، لأن الأصل في الناس العدالة ، [ ص: 363 ] فخبر المجهول يغلب على الظن عند القائل به . وليس الأصل في الناس العلم . وممن حكى الخلاف في استفتاء المجهول الغزالي والآمدي وابن الحاجب . ونقل في " المحصول " الاتفاق على المنع ، فحصل طريقان . وإذا لم يعرف علمه بحث عن حاله . ثم شرط القاضي في " التقريب " إخبار من يوجب خبره العلم بكونه عالما في الجملة ، ولا يكفي خبر الواحد والاثنين . وخالفه غيره .

                                                      واكتفى في " المنخول " في ( العدالة ) خبر عدلين ، وفي ( العلم ) بقوله : إني مفت ، قال : واشتراط تواتر الخبر بكونه مجتهدا - كما قاله الأستاذ - غير سديد ، لأن التواتر يعتمد في المحسوسات ، وهذا ليس منه . وقال القاضي : يكفيه أن يخبره عدلان بأنه مفت . انتهى . وشرط القاضي وغيره من المحققين امتحانه ، بأن يلفق مسائل متفرقة ويراجعه فيها ، فإن أصاب فيها غلب على ظنه كونه مجتهدا وقلده وإلا تركه . وذهب بعض أئمتنا إلى أنه لا يجب ، وتكفي الاستفاضة من الناس . وهو الراجح في ، الروضة " ونقله عن الأصحاب . وقيل : ليس له اعتماد قول المفتي : أنه أهل للفتوى والمختار في " الغياثي " اعتماده بشرط أن يظهر ورعه ، كما يحصل باستفاضة الخبر عنه ، وسبق مثله عن الغزالي . وقال ابن برهان في " الوجيز " : قيل : يقول له : أمجتهد . أنت فأقلدك ؟ فإن أجابه قلده . وهذا أصح المذاهب . وإذا لم يعرف ( العدالة ) فللغزالي احتمالان . قال الرافعي : وأشبههما الاكتفاء ؟ فإن الغالب من حال العلماء العدالة بخلاف البحث عن العلم ، فليس الغالب في الناس العلم . ثم ذكر احتمالين في أنه إذا وجب البحث فيفتقر إلى عدد التواتر ، أم يكفي إخبار عدل أو عدلين ؟ قال : وأقربهما : الثاني . قلت : وجزم الشيخ أبو إسحاق بأنه يكفيه خبر العدل الواحد عن فقهه وأمانته ، لأن طريقه طريق الإخبار .

                                                      قال النووي : والاحتمالان في مجهول العدالة هما في المستور ، وهو الذي ظاهره العدالة ولم يختبر باطنه ، وهما [ ص: 364 ] وجهان ذكرهما غيره وأصحهما الاكتفاء لأن العدالة الباطنة تعسر معرفتها على غير القضاة ، فيعسر على العوام تكليفهم . وأما الاحتمالان المذكوران ثانيا فهما محتملان لكن المنقول خلافهما . والذي قال الأصحاب أنه يجوز استفتاء من استفاضت أهليته ، وقيل : لا تكفي الاستفاضة ولا يعتمد قوله : أنا أهل للفتوى . ويجوز استفتاء من أخبر ثابت الأهلية بأهليته . قال ابن القطان في كتابه " الأصول " : من أسلم وهو قريب العهد فلقيه رجل من المسلمين على ظاهر الإسلام ، فأخبره بشيء . فاختلفوا فيه : فقال أبو بكر في كتابه : يجب عليه قبول ما أخبر به ولا يعتبر فيه شرائط المفتي السابقة ، وإنما تجب تلك الشرائط فينا ، لأنه لا يشق علينا الاعتبار فيها ، فأما المسلم الآن فيشق عليه هذا . وقال ابن أبي هريرة : ينظر : فإن كان شيئا وقته موسع فينبغي أن يتوقف حتى يستعلم ذلك من خلق ، ولا يبادر حتى يعلم حال من أفتاه ويتابع عليه .

                                                      وإن كان شيئا وقته مضيق فعلى وجهين : ( أحدهما ) يقبل قوله ، كقول أبي علي . و ( الثاني ) يتوقف في ذلك ، كما يتوقف الحاكم في العدول وغيرها . .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية