الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      مسألة [ المكروه هل يدخل تحت الأمر ؟ ] المكروه لا يدخل تحت الأمر المطلق عندنا ; لأن الأمر طلب واقتضاء ، والمكروه لا يكون مطلوبا ولا مقتضى ، فلا يدخل تحت الخطاب للتناقض . قال إلكيا الطبري : إلا أن تكون الكراهة لمعنى في غير ما تعلق به لفظها [ ص: 398 ] كما قيل في تنكيس الوضوء : إنه مكروه ; لأنه يخالف عادة السلف في هيئته لا في أصل الوضوء ، وهو إمرار الماء ، ولا في شرائطه فلم يمنع الإجزاء . والخلاف في هذه المسألة مع الحنفية ، قال إمام الحرمين : وهذه المسألة مثلها الأئمة بالترتيب في الوضوء ، فمن يراه يقول : التنكيس مكروه ، ولا يدخل تحت مقتضى الأمر . وقال ابن السمعاني : تظهر فائدة الخلاف في قوله تعالى : { وليطوفوا بالبيت العتيق } فعندنا هذا لا يتناول الطواف بغير طهارة ، ولا المنكس ، وغيرهم يتناوله فإنهم ، وإن اعتقدوا كراهيته ذهبوا إلى أنه دخل في الأمر وأجزأ . قال : وهذا المقال إنما يتصور على أصلهم ، وأما عندنا فليس هو بطواف أصلا . ومن فوائد الخلاف أيضا : الصلاة في الأوقات المكروهة إذا قلنا : إنها مكروهة كراهة تنزيه ، وفي صحتها تفريعا على هذا وجهان ، والقول بالبطلان وهو الأصح يخرج على أن المكروه لا يدخل تحت مطلق الأمر ، ومنها : مسألة الصلاة في الدار المغصوبة التي سبق ذكرها ، واقتصر المتأخرون على ذكرها وأهملوا أصلها ، والعكس أولى ، ومنها : إعادة صلاة الجنازة لا يصح في احتمال إمام الحرمين ، وقواه النووي ووجهه : أنها لا تستحب ، وقيل تكره ، ومع الكراهة لا تصح تخريجا على هذا الأصل .

                                                      ومنها : لو نذر الإحرام من دويرة أهله . قال صاحب " التهذيب " : يلزمه ، ووافقه النووي ، وخالفهما بعض المتأخرين ، وقال : ينبغي أن لا ينعقد لكونه مكروها ، ونظيره الصوم يوم الشك تطوعا حرام ، ولو نذر صومه ففي انعقاده وجهان . [ ص: 399 ] ومنها : حيث قلنا : للقاضي قبول الهدية ولم نحرمها ، والأكثرون على أنه يملكها ، وفيه وجه قوي أنه لا يملكها ، ثم صححوا أنها ترد إلى صاحبها ، والظاهر : أنها توضع في بيت المال ولا ترد إليه . واعلم أن جماعة من أصحابنا ذكروا المسألة هكذا ونصبوا الخلاف بيننا وبين الحنفية منهم الشيخ أبو إسحاق ، وإمام الحرمين ، وابن القشيري ، وابن برهان ، وابن السمعاني ، وسليم الرازي في " التقريب " ، وأبو الوليد الباجي وغيرهم ، وفيه نظر فإن شمس الأئمة السرخسي من الحنفية إنما حكى ذلك عن أبي بكر الرازي ، ثم قال : والصحيح عندي : أن مطلق الأمر كما يثبت صفة الجواز والحسن شرعا يثبت انتفاء صفة الكراهة . وقال المازري : اختار ابن خويز منداد كونه لا يتناول المكروه ، وأشار إلى أنه مذهب مالك ، وقال : وهو كمسألة الخلاف المشهور في تضمن الوجوب للجواز حتى إذا نسخ هل يبقى الجواز ؟ قلت : فيقال هنا : إذا نسخ الأمر هل يبقى المكروه أم لا ؟ يأتي فيه الخلاف السابق .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية