الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                المواضع التي يجب فيها ذكر السبب .

                منها : الإخبار أوالشهادة بنجاسة الماء ، وبالردة وبالجرح وقد أجابوا فيها بثلاثة أجوبة مختلفة ، مع أن مدركها واحد ، وهو اختلاف العلماء في أسبابها ، فقالوا في الماء : يجب بيان السبب من العامي والفقيه المخالف ويقبل الإطلاق من الفقيه الموافق . وصححوا في الردة قبول الإطلاق من الموافق وغيره . وفي الجرح بيان السبب من الموافق وغيره ، واعتذر عن ذلك في الجرح بأنه منوط باجتهاد الحاكم لا بعقيدة الشاهد ، فلا بد من بيانه لينظر الحاكم أقادح هو أم لا ؟ وفي الردة بأنه إنما قبل الإطلاق فيها ; لأن الظاهر من العدل الاحتياط في أمر الدم ، مع أن المشهود عليه قادر على التكذيب ، بأن ينطق بالشهادتين ، والمجروح لا يقدر على التكذيب .

                [ ص: 494 ] تنبيه :

                صرح الماوردي والروياني وغيرهما بأنه لو قال الشاهد : أنا مجروح قبل قوله ، وإن لم يعسر الجرح . ومنها : الشهادة باستحقاق الشفعة ، يجب بيان سببها من شركة أو جوار بلا خلاف ومنها : الشهادة بأن هذا وارثه ، لا يسمع بلا خلاف حتى يبين الجهة من أبوة أو بنوة أو غير ذلك لاختلاف المذاهب في توريث ذوي الأرحام .

                ومنها : لو شهدا بعقد بيع أو غيره من العقود ولم يبينا صورته ، فهل يسمع أو لا بد من التفصيل ؟ فيه خلاف ومنها لو شهدا أنه ضربه بالسيف فأوضح رأسه قال الجمهور : يقبل وقال القاضي حسين لا بد من التعرض لإيضاح العظم ; لأن الإيضاح ليس مخصوصا بذلك وتبعه عليه الإمام ، ثم تردد فيما إذا كان الشاهد فقيها وعلم الحاكم أنه لا يطلق لفظ الموضحة إلا على ما يوضح العظم .

                ومنها : لو شهد بانتقال هذا الملك عن مالكه إلى زيد ، فالراجح أنها لا تسمع إلا ببيان السبب ، وقيل : لا يحتاج إليه ، وقيل : إن كان الشاهدان فقيهين موافقين لمذهب القاضي ، فلا حاجة إلى بيان السبب ، وإلا احتيج .

                ومنها : إذا شهدا أن حاكما حكم بكذا ولم يعيناه فالصحيح القبول وقيل : لا بد من تعيينه لاحتمال أن يكون الحاكم عدوا للمحكوم عليه أو ولدا للمحكوم له .

                ومنها : إذا شهدا أن بينهما رضاعا محرما ، فالجمهور على أنه لا بد من التفصيل ، واختار الإمام وطائفة عدمه ، وتوسط الرافعي ، فقال : إن كان الشاهد فقيها موافقا قبل وإلا فلا . ومنها : الشهادة بالإكراه ; لا تقبل إلا مفصلة ، وفصل الغزالي : بين الفقيه الموافق وغيره . ومنها : الشهادة بشرب الخمر . الأصح ، الاكتفاء بالإطلاق ; وقيل : لا بد من التعرض لكونه كان مختارا عالما بأنها خمر . ومنها : لو باع عبدا ثم شهد اثنان أنه رجع ملكه إليه . قالوا : لا تقبل ما لم يبينا سبب الرجوع من إقالة ونحوها ويجيء فيه الخلاف السابق .

                ومنها : الشهادة بالسرقة . يشترط فيها بيان كيف أخذ ؟ وهل أخذ من حرز ؟ وبيان الحرز ، وصاحب المال .

                ومنها : الشهادة بأن نظر الوقف الفلاني لفلان ، فإنه يجب بيان سببه ولا تقبل مطلقة كما أفتى به ابن الصلاح ، كمسألة : أنه وارثه . [ ص: 495 ]

                ومنها : الشهادة ببراءة المدعى عليه من الدين المدعى به . قال الهروي : لا تقبل مطلقة لاختلاف في أسباب البراءة ، وخالفه العبادي .

                ومنها : الشهادة بالرشد ، يشترط بيانه للاختلاف فيه . ومنها : الشهادة بانقضاء العدة ، لاختلاف العلماء فيه . ومنها : لو شهدت بأنه يوم البيع أو يوم الوصية مثلا ، كان زائل العقل اشترط تفصيل زواله ، قاله الدبيلي .

                ومنها : الشهادة بأن هذا مستحق هذا الوقف . ومنها : الشهادة بأن فلانا طلق زوجته : لا تقبل حتى يبين اللفظ الواقع من الزوج ; لأنه يختلف الحال بالصريح والكناية والتنجيز والتعليق ، قاله في الأنوار .

                ومنها : الشهادة بأنه بلغ السن لا تقبل حتى يبينوه لاختلاف العلماء فيه بخلاف ما لو لم يقل بالسن ، فإنها تسمع .

                ومنها : الشهادة على الزنا ، لا بد من بيانه أنه رأى ذكره في فرجها . ومنها : الشهادة أن غدا من رمضان ، هل تقبل مطلقة أو لا بد من التصريح برؤية الهلال ؟ لاحتمال أن يكون مستنده الحساب . المتجه ، وصرح ابن أبي الدم وغيره بالأول ثم بعد أن اخترت الثاني بحثا رأيت السبكي قواه في الحلبيات فقال : قوله " أشهد " . أن الليلة أول الشهر " ليس فيه التعرض للهلال أصلا ، فيحتمل أن يقال ، لا تقبل ; لأن الشارع أناط بالرؤية أو استكمال العدد واستكمال العدد يرجع إلى رؤية شهر قبله فمتى لم يتعرض الشاهد في شهادته إلى ذلك ينبغي أن لا يقبل ، أو يجري فيه الخلاف فيما إذا شهد الشاهد بالاستحقاق من غير بيان السبب ، ففيه خلاف ; لأن ذلك وظيفة الحاكم ووظيفة الشاهد : الشهادة بالأسباب فقط .

                قال : وهنا احتمال آخر زائد يوجب التوقف ، وهو احتمال أنه اعتمد الحساب ، كما ذكر ذلك أحد الوجهين ، في جواز الصوم بحساب إذا دل على طلوع الهلال وإمكان رؤيته فلهذا يحتمل أن يقال : لا يقبل الحاكم شهادته حتى يستفسره ، ويحتمل أن يقال ، إن عدالته تمنعه من اعتماد الحساب ، ومن التوسط المانع من أداء الشهادة ومقتضى الحمل على أنه ما رأى وإنما تواتر عنده الخبر برؤيته .

                قال ، وهذا هو الأظهر ، وجزم به ابن أبي الدم انتهى . ومنها : قال السبكي إذا نقض الحاكم حكم أحد ، سئل عن مستنده ، وإنما لا يلزم القاضي بيان السبب إذا لم يكن حكمه نقضا .

                ومنها : لو مات عن ابنين مسلم ونصراني ، فقال كل : مات على ديني وأقام كل بينة [ ص: 496 ] اشترط في بينة النصراني تفسير كلمة التنصر بما يختص به النصارى كالتثليث ، وهل يشترط في بينة المسلم تبيين ما يقتضي الإسلام ؟ فيه وجهان لأنهم قد يتوهمون ما ليس بإسلام إسلاما ومنها : إذا ادعى دارا في يد رجل ، وأقام بينة بملكها ، وأقام الداخل بينة أنها ملكه هل تسمع مطلقة ، أو لا بد من استناد الملك إلى سبب ؟ الأصح ، الأول وترجح على بينة الخارج باليد .

                ومنها : قال ابن أبي الدم ، شاع في لسان أئمة المذهب أن الشاهد إذا شهد باستحقاق زيد على عمرو درهما مثلا ، هل تسمع هذه الشهادة ؟ فيه وجهان . والمشهور فيما بينهم : أنها لا تسمع . قال ، وهذا لم أظفر به منقولا مصرحا به هكذا ، غير أن الذي تلقيته من كلام المراوزة وفهمته من مدارج مباحثهم أن الشاهد ليس له أن يرتب الأحكام على أسبابها ، بل وظيفته أن يقول ما يسمعه منها من إقرار وعقد تبايع أو غير ذلك أو ما شاهده من التفويض والإتلاف ، فينقل ذلك إلى القاضي ، ثم وظيفة الحاكم ترتيب المسببات على أسبابها .

                فالشاهد سفير ، والحاكم متصرف ، والأسباب الملزمة مختلف فيها ، فقد يظن الشاهد ما ليس بملزم سببا للإلزام ، فكلف نقل ما سمع أو رأى ، والحاكم مجتهد في ذلك انتهى .

                وقال في المطلب : جمع بعض الفقهاء المواضع التي لا يقبل فيها الخبر إلا مفصلا فبلغت ثلاثة عشر : أن الماء نجس ، وأن فلانا سفيه ، وأنه وارث فلان ، وأن بين هذين رضاعا وأنه يستحق النفقة والزنا والإقرار به والردة والجرح والإكراه والشهادة على الشهادة وزاد غيره : أنه قذفه وأن المقذوف محصن وأنه شفيع ، وأنها مطلقة ثلاثا . وقال الشيخ عز الدين

                ضابط

                هذا كله : أن الدعوى ، والشهادة ، والرواية المترددة بين ما يقبل وبين ما لا يقبل ، لا يجوز الاعتماد عليهما ; إذ ليس حملها على ما يقبل أولى من حملها على ما لا يقبل ، والأصل عدم ثبوت المشهود به والمخبر عنه ، فلا يترك الأصل إلا بيقين ، أو ظن يعتمد الشرع على مثله .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية