الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 126 ] القاعدة التاسعة إذا اجتمع أمران من جنس واحد ، ولم يختلف مقصودهما ، دخل أحدهما في الآخر غالبا .

                فمن فروع ذلك إذا اجتمع حدث وجنابة ، كفى الغسل على المذهب ، كما لو اجتمع جنابة وحيض ، ولو باشر المحرم فيما دون الفرج ، لزمته الفدية .

                فلو جامع دخلت في الكفارة على الأصح ، بناء على تداخل الحدث في الجنابة .

                ولو اجتمع حدث ونجاسة حكمية كفت لهما غسلة واحدة في الأصح ، عند النووي . ولو جامع بلا حائل ، فعن المسعودي : أنه لا يوجب غير الجنابة واللمس الذي يتضمنه يصير مغمورا به كخروج الخارج الذي يتضمنه الإنزال .

                والأكثرون قالوا : يحصل الحدثان ; لأن اللمس يسبق حقيقة الجماع بخلاف الخروج فإنه مع الإنزال .

                ولو دخل المسجد وصلى الفرض دخلت فيه التحية ، ولو دخل الحرم محرما ، بحج فرض أو عمرة . دخل فيه الإحرام لدخول مكة . ولو طاف القادم عن فرض أو نذر ، دخل فيه طواف القدوم ، بخلاف ما لو طاف للإفاضة لا يدخل فيه طواف الوداع لأن كلا منهما مقصود في نفسه ، ومقصودهما مختلف وبخلاف ما لو دخل المسجد الحرام ، فوجدهم يصلون جماعة فصلاها ، فإنه لا يحصل له تحية البيت ، وهو الطواف ، لأنه ليس من جنس الصلاة .

                ولو صلى : عقيب الطواف فريضة ، حسبت عن ركعتي الطواف ; اعتبارا بتحية المسجد نص عليه في القديم ، وليس في الجديد ما يخالفه . وقال النووي : إنه المذهب .

                ولو تعدد السهو في الصلاة : لم يتعدد السجود بخلاف جبرانات الإحرام ، لا تتداخل لأن القصد بسجود السهو رغم أنف الشيطان . وقد حصل بالسجدتين آخر الصلاة .

                والمقصود بجبرانات الإحرام : جبر هتك الحرمة ، فلكل هتك جبر فاختلف المقصود ، ولو زنى بكر ، أو شرب خمرا ، أو سرق مرارا ; كفى حد واحد .

                قال الرافعي : وهل يقال وجب لها حدود ، ثم عادت إلى حد واحد ، أو لم يجب إلا حد واحد ; وجعلت الزنيات كالحركات في زنية واحدة ؟ ذكروا فيه احتمالين .

                ولو زنى أو شرب ، فأقيم عليه بعض الحد . فعاد إلى الجريمة ، دخل الباقي في الحد الثاني ، وكذا لو زنى في مدة التغريب . غرب ثانيا ودخلت فيه بقية المدة .

                ولو قذفه مرات : كفى حد واحد أيضا في الأصح ، ولو زنى وهو بكر ، ثم زنى وهو ثيب ، فهل يكتفى بالرجم ؟ وجهان في أصل الروضة [ ص: 127 ] بلا ترجيح .

                وجه المنع : اختلاف جنسهما ، لكن صحح البارزي في التمييز . التداخل .

                بخلاف ما لو سرق ، وزنى ، وشرب وارتد . فلا تداخل لاختلاف الجنس .

                ولو سرق وقتل في المحاربة ، فهل يقطع ، ثم يقتل ، أو يقتصر على القتل والصلب . ويندرج حد السرقة في حد المحاربة ؟ وجهان ، في الروضة بلا ترجيح .

                ولو وطئ في نهار رمضان مرتين ، لم تلزمه بالثاني كفارة ; لأنه لم يصادف صوما . بخلاف ما لو وطئ في الإحرام ثانيا ، فإن عليه شاة . ولا تدخل في الكفارة لمصادفته إحراما لم يحل منه .

                ولو لبس ثوبا مطيبا ، فرجح الرافعي لزوم فديتين . وصحح النووي واحدة لاتحاد الفعل وتبعية الطيب .

                ولو قتل المحرم صيدا في الحرم لزمه جزاء واحد ، وتداخلت الحرمتان في حقه لأنهما من جنس واحد ، كالقارن إذا قتل صيدا ، لزمه جزاء واحد ، وإن كان قد هتك به حرمة الحج والعمرة .

                ولو أحرم المتمتع بالعمرة ، فجرح صيدا ثم أحرم بالحج ، فجرحه جرحا آخر ، ثم مات ، فهل يلزمه جزاءان ؟

                قال الشيخ أبو إسحاق في الملخص : هذه المسألة لا يعرف فيها نقل .

                فلو كشط جلدة الرأس ، فلا فدية ، والشعر تابع .

                قال الرافعي : وشبهوه بما لو أرضعت أم الزوج زوجته . يجب المهر ، ولو قتلها لم يجب .

                ولو تكرر الوطء بشبهة واحدة ، تداخل المهر بخلاف ما إذا تعدد جنس الشبهة .

                ولو وطئ بشبهة بكرا وجب أرش البكارة ولا تداخل لاختلاف الجنس والمقصود فإن أرش البكارة يجب إبلا . والمهر : نقدا ، والأرش : للجناية والمهر للاستمتاع .

                ولو قطع كامل الأصابع يدا ناقصة إصبعا ; فإن لقط أصابعه الأربعة ، فله حكومة أربعة أخماس الكف ولا يتداخل ، لأنها ليست من جنس القصاص وله حكومة خمس الكف أيضا ، وإن أخذ دية الأصابع الأربع ، فلا حكومة لمنابتها من الكف ; لأنها من جنس الدية فدخلت فيها ، وله حكومة خمس الكف لاختلاف الجهة .

                ولو أزال أطرافا ولطائف ، ثم مات سراية ، أو حز : دخلت في دية النفس .

                ولو كان أحد الفعلين عمدا والآخر خطأ ، فلا تداخل للاختلاف فإن دية العمد مثلثة حالة على الجاني ، ودية الخطأ مخمسة مؤجلة على العاقلة .

                ولو قطع الأجفان وعليها أهداب ، دخلت حكومتها في ديتها ، وكذا تدخل حكومة الشعر في دية الموضحة ، والشارب في دية الشفة . والأظفار والكف في دية الأصابع .

                [ ص: 128 ] والسنخ في دية السن والذكر في دية الحشفة ، والثدي في دية الحلمة ، على الأصح في الكل .

                وكذا حكومة قصبة الأنف في دية المارن ، على ما قاله الإمام إنه الظاهر وصححه في أصل الروضة . وقال في المهمات : الفتوى على خلافه .

                ولا يدخل أرش الجرح في دية العقل ، ولا الأسنان في اللحيين ولا الموضحة في الأذنين ، ولا حكومة جرح الصدر في دية الثدي ، ولا العانة في دية الذكر والشفرين لاختلاف محل الجناية فيها .

                ولو لزمها عدتا شخص من جنس ، بأن طلق ، ثم وطئ في العدة . تداخلتا . بخلاف ما إذا كانتا لشخصين ، بأن وطئ غيره بشبهة ، لا تداخل .

                ولو كانتا لواحد ، واختلف الجنس ، بأن كانت الأولى بغير الحمل . والثانية به ، فوجهان ، أصحهما : التداخل . وقيل : لا لاختلاف الجنس .

                والوجهان مبنيان على أن التداخل في العدد هل هو سقوط الأولى ، والاكتفاء بالثاني أو انضمام الأولى للثاني ، فيؤديان بانقضاء مدة واحدة ؟ ، وفيه وجهان ، فعلى الأول : يتداخل . وعلى الثاني : لا .

                وقد علمت ما أوردناه من الفروع . مع احترازنا عنه بقولنا " من جنس واحد " وبقولنا " ولم يختلف مقصودهما " وبقولنا " غالبا " .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية