الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( الفرق الخمسون والمائتان بين قاعدة أسباب التوارث وأجزاء أسبابها العامة والخاصة ) اعلم أن هذا الفرق غريب عجيب نادر بسبب أن كتب الفرائض على العموم فيما رأيت لم يختلف منهم اثنان في أن أسباب التوارث ثلاثة نسب وولاء ونكاح ، وهو في غاية الإشكال ؛ لأن المراد بالثلاثة إما الأسباب التامة ، وإما أجزاء الأسباب ، والكل غير مستقيم ، وبيانه أنهم يجعلون أحد الأسباب القرابة ، والأم لم ترث الثلث في حالة والسدس في أخرى بمطلق القرابة ، وإلا لكان ذلك ثابتا للابن أو البنت لوجود مطلق القرابة فيهما

[ ص: 194 ] بل بخصوص كونها أما مع مطلق القرابة ، وكذلك البنت ترث النصف ليس بمطلق القرابة ، وإلا لثبت ذلك للجد أو الأخت للأم بل لخصوص كونها بنتا مع مطلق القرابة فحينئذ لكل واحد من الورثة سبب تام يخصه مركب من جزأين من خصوص كونها بنتا أو غيره وعموم القرابة وكذلك للزوج النصف ليس لمطلق

[ ص: 195 ] النكاح ، وإلا لكان للزوجة النصف لوجود مطلق النكاح فيها بل لخصوص كونه زوجا مع عموم النكاح كما تقدم فسببه مركب ، وكذلك الزوجة [ ص: 196 ] إذا ظهر هذا فإن أرادوا حصر الأسباب التامة في ثلاثة فهي أكثر من عشرة بالإجماع لما تقدم أو الناقصة التي هي أجزاء أسباب فالخصوصات كما رأيت كثيرة فلا يستقيم الحصر مطلقا لا في التام ، ولا في الناقص فتنبه لهذا المعنى فهو حسن لم أر أحدا تعرض له ، ولا لخصه ، وحينئذ أقول : إن أسباب [ ص: 197 ] القرابة ، وإن كثرت فنحن لا نريدها ، ولا نريد التامة التي هي الخصوصات بل الناقصة التي هي المشتركات ، وهي مطلق القرابة ومطلق النكاح ومطلق الولاء

والدليل على حصر غير التامة في هذه الثلاث أن الأمر العام بين جميع الأسباب التامة إما أن يمكن إبطاله أو لا فإن أمكن فهو النكاح ؛ لأنه يبطل بالطلاق وإن لم يمكن إبطاله فإما أن يقتضي التوارث من الجانبين غالبا أو لا فإن اقتضى التوارث من الجانبين غالبا فهو القرابة ، وإن لم يقتضه إلا من أحد الجانبين فهو الولاء ؛ لأنه يرث [ ص: 198 ] المولى الأعلى الأسفل ، ولا يرث الأسفل الأعلى وقولنا غالبا احتراز من العمة ونحوها فإنه يرثها ابن أخيها ولا ترثه

التالي السابق


حاشية ابن الشاط

قال ( الفرق الخمسون والمائتان بين قاعدة أسباب التوارث وأجزاء أسبابها العامة والخاصة ) اعلم أن هذا الفرق غريب عجيب نادر بسبب أن كتب الفرائض على العموم فيما رأيت لم يختلف منهم اثنان في أن أسباب التوارث ثلاثة نسب وولاء ونكاح ، وهو في غاية الإشكال ؛ لأن المراد بالثلاثة إما الأسباب التامة ، أو أجزاء الأسباب والكل غير مستقيم ، وبيانه أنهم يجعلون أحد الأسباب القرابة ، والأم لم ترث الثلث في حالة ، والسدس في أخرى بمطلق القرابة ، وإلا لكان ذلك ثابتا للابن أو البنت لوجود مطلق القرابة فيهما قلت : هذا الفرق ليس بغريب ، ولا عجيب [ ص: 194 ] كما زعم وما توهمه من الإشكال في كلام الفرضيين ليس كما توهم وبيان ذلك أنهم بين أمرين أحدهما تعبيرهم عن تلك الأسباب بلفظ التنكير ، وثانيهما : التعبير عنها بلفظ التعريف فمن عبر منهم بلفظ التنكير لم يرد كل نسب ، ولا كل نكاح ، ولا كل ولاء بل أراد نسبا خاصا وولاء خاصا ونكاحا خاصا ، ولا نكر في التعبير بلفظ النكرة عن مخصوص ، فإن اللفظ عليه صادق وله صالح ، ومن عبر منهم بلفظ التعريف لم يرد أيضا كل نسب ، ولا كل نكاح ، ولا كل ولاء بل أراد ما أراده الأول ، وأحال الأول في تقييد ذلك المطلق على تعيين أصناف الوارثين والوارثات ، وأحال الثاني في بيان المعهود بالألف واللام على ما أحاله عليه الأول ، والله أعلم

قال ( بل بخصوص كونها أما مع مطلق القرابة ، وكذلك البنت ترث النصف ليس بمطلق القرابة ، وإلا لثبت ذلك للجد أو للأخت للأم بل لخصوص كونها بنتا مع مطلق القرابة فحينئذ لكل واحد من الورثة سبب تام يخصه مركب من جزأين من خصوص كونها بنتا أو غيره ، وعموم القرابة ، وكذلك للزوج النصف ليس لمطلق [ ص: 195 ] النكاح ، وإلا لكان للزوجة النصف لوجود مطلق النكاح فيها بل لخصوص كونه زوجا مع عموم النكاح كما تقدم فسببه مركب ، وكذلك الزوجة ) قلت : إذا كان سبب الإرث الخاص الوصف الخاص فلا معنى لذكر الوصف العام معه فقوله : مع مطلق القرابة لا حاجة إليه فمن المعلوم أن الوصف العام صادق على الخاص لكنه ليس العام سببا من حيث عمومه بل من حيث اشتمل على الخاص ، والخاص سبب ، فإذا قال قائل : ما سبب وراثة البنت النصف قيل : كونها بنتا ، وهو جواب مستقيم صادق ، وإن قيل : كونها قريبة لم يكن جوابا مستقيما ، ولا صحيحا وإذا قيل : ما سبب وراثة البنت فقيل كونها بنتا كان جوابا مستقيما وصحيحا أيضا ، وإن قيل : كونها قريبة لم يصح أيضا ؛ لأن القرابة ليست مختصة بالبنت فالصحيح أن سبب ميراث البنت النصف كونها بنتا على الخصوص ، وكذلك سبب ميراث كل صنف من أصناف الوارثين والوارثات أسباب ميراثهم خاصة لا عامة ، وما قاله من أن السبب مركب لا معنى له عند النظر إلى خصوص الميراث كالنصف وشبهه ، ولا عند النظر إلى عموم الميراث أيضا ؛ لأنه جعل العموم مطلق القرابة ، وليس مطلق القرابة سببا لمطلق الميراث عندنا نعم هو سبب عند الحنفية

[ ص: 196 ] قال ( إذا ظهر هذا فإن أرادوا حصر الأسباب التامة في ثلاثة فهي أكثر من عشرة بالإجماع لما تقدم ، أو الناقصة التي هي أجزاء الأسباب فالخصوصات كما رأيت كثيرة فلا يستقيم الحصر مطلقا لا في التام ، ولا في الناقص ) قلت : قوله : هي أكثر من عشرة إن أراد بذلك ما يخص كل صنف من الوارثين والوارثات على ما جرت به عادة أكثر الفرضيين في عدهم أصناف الوارثين عشرة وأصناف الوارثات سبعة فذلك صحيح ، وإن أراد بذلك ما يخص كل صنف على ما هو الأولى في ذلك فليس قوله ذلك بصحيح فإنها أكثر من عشرين لا أكثر من عشرة ، وقوله : بالإجماع ليس بصحيح ، وأي إجماع في ذلك مع توريث الحنفية ذوي الأرحام وقوله : أو الناقصة التي هي أجزاء الأسباب فالخصوصات كما رأيت كثيرة إن أراد بالخصوصات مطلق القرابة التي كل خصوص منها أعم من الخصوص الذي تحته من الخصوصات التي عدها الفرضيون فذلك صحيح ، وإلا فلا أدري ما أراد قال ( فتنبه لهذا المعنى فهو حسن لم أر أحدا تعرض له ولا لخصه وحينئذ أقول إن أسباب [ ص: 197 ] القرابة وإن كثرت فنحن لا نريدها ، ولا نريد التامة التي هي الخصوصات بل الناقصة التي هي المشتركات ، وهي مطلق القرابة ومطلق النكاح ومطلق الولاء )

قلت : هذا الكلام الذي ذكره هنا مناقض في ظاهره لقوله إن أسباب القرابة ، وإن كثرت فنحن لا نريدها لكنه إنما أراد لا نريد مطلق القرابة من حيث هي القرابة لا خصوص كون القرابة بنوة مثلا ، ولكن نريد ما هو أخص من الأول ، وأعم من الثاني ، وهو قرابة ماء ، ونكاح ماء ، وولاء ماء ثم بين ذلك بما قرره ضابطا بعد هذا

قال ( والدليل على حصر غير التامة في هذه الثلاثة أن الأمر العام بين جميع الأسباب التامة إما أن يمكن إبطاله أو لا فإن أمكن فهو النكاح ؛ لأنه يبطل بالطلاق ، وإن لم يمكن إبطاله ، فإما أن يقتضي التوارث من الجانبين غالبا ، وهو القرابة أو لا يقتضي إلا من أحد الجانبين وهو الولاء ؛ لأنه يرث [ ص: 198 ] المولى الأعلى الأسفل ، ولا يرث الأسفل الأعلى وقولنا : غالبا احتراز من العمة ونحوها فإنه يرثها ابن أخيها ، ولا ترثه ) قلت : ما ذكره من سبب الحصر للأسباب الثلاثة في ثلاثة ، وإن كان مفيدا للحصر ليس بسديد فإن ما ذكره في النكاح ، وهو كونه يمكن إبطاله أجنبي عن كون النكاح سبب الميراث فإنه لا يصح أن يكون النكاح اللاحق به الإبطال سببا ، وإنما يكون سببا النكاح الذي لم يلحقه إبطال فإذا ثبتت سببيته لم ترتفع لاستحالة رفع الواقع ، وما ذكره في القرابة أمر ثان عن كون سبب الإرث ليس مطلق القرابة ؛ لأن السببية ثابتة عنه مع عدم اطراده ، وما ذكره في الولاء كذلك أمر ثان عن كون سببيته ليست مطلقة ، والأولى أن يقال : إنهم ما حصروها في ثلاثة إلا لكونها أمورا مختلفة ثم لم يوجد سبب الميراث سواها ثم إنها ليست أسبابا على الإطلاق بل مقيدة بتعيين من يرث بها



حاشية ابن حسين المكي المالكي

( الفرق الثاني والخمسون والمائتان بين قاعدة أسباب التوارث وأجزاء أسبابها العامة والخاصة )

وهو أن أسباب التوارث التامة هي عبارة عن ماهية كل من القرابة والولاء والنكاح بشرط شيء أعني خصوص كون القرابة بنوة مثلا وخصوص كون الولاء علويا وخصوص كون النكاح زوجة أو زوجا ، وأجزاؤها العامة هي عبارة عن ماهية كل من الثلاثة المذكورة بشرط لا شيء أعني مطلق القرابة من حيث هي مطلق القرابة ، ومطلق الولاء من حيث هو مطلق الولاء ، ومطلق النكاح من حيث هو مطلق النكاح ، وأجزاؤها الخاصة هي عبارة عن ماهية كل من الثلاثة المذكورة لا بشرط شيء أي من إطلاق أو خصوص ، وهي المشتركات أعني قرابة ما وولاء ما ونكاحا ما ، وهذه أخص من الأجزاء العامة ، وأعم من التامة وهي مراد الفرضيين بقولهم : إن أسباب التوارث ثلاثة نسب وولاء ونكاح قال ابن الشاط وما توهمه الشهاب من الإشكال في كلامهم هذا ليس كما توهم وبيان ذلك أنهم بين أمرين

( أحدهما ) تعبيرهم عن الأسباب بلفظ التنكير

( وثانيهما ) : التعبير عنها بلفظ التعريف فمن عبر منهم بلفظ التنكير لم يرد كل نسب ، ولا كل ولاء ، ولا كل نكاح بل أراد نسبا خاصا وولاء خاصا ونكاحا خاصا ، ولا نكر في التعبير بلفظ النكرة عن مخصوص فإن اللفظ عليه صادق وله صالح ومن عبر منهم بلفظ التعريف لم يرد أيضا كل نسب ، ولا كل ولاء ، ولا كل نكاح بل أراد ما أراده الأول وأحال الأول في تقييد ذلك المطلق على تعيين أصناف الوارثين والوارثات وأحال الثاني في بيان المعهود بالألف واللام على ما أحال عليه الأول وذلك أن أسباب التوارث التامة إجمالا سبعة

[ ص: 216 ] عشر وتفصيلا ثمانية وعشرون ؛ لأن ذكور من ثبت له الميراث عشرة ويتفرعون إلى ثمانية عشر وإناث من ثبت له الميراث سبع ويتفرعن أيضا إلى عشرة نعم ذهب الحنفية إلى توريث ذوي الأرحام ، وأجزاء الأسباب العامة كلية لا تحقق لها إلا في الذهن قطعا فلا أقسام لها بخصوصها فإنما أقسامها ما تحتها من الأسباب التامة ، وأجزاؤها الخاصة وأقسامهما فافهم قال الأصل والدليل على حصر الأسباب غير التامة في هذه الثلاث أن الأمر العام بين جميع الأسباب إما أن يمكن إبطاله أو لا فإن أمكن إبطاله فهو النكاح ؛ لأنه يبطل بالطلاق ، وإن لم يمكن إبطاله فإما أن يقتضي التوارث من الجانبين غالبا أو لا فإن اقتضى التوارث من الجانبين غالبا فهو القرابة والاحتراز ب غالبا من العمة ونحوها فإنه يرثها ابن أخيها ، ولا ترثه ، وإن لم يقتضه إلا من أحد الجانبين فهو الولاء ؛ لأنه يرث المولى الأعلى الأسفل ، ولا يرث الأسفل الأعلى . ا هـ . قال ابن الشاط وما ذكره ، وإن كان مفيدا للحصر ليس بسديد فإن ما ذكره في النكاح من كونه يمكن إبطاله أجنبي عن كون النكاح سبب الميراث ؛ لأنه إنما يكون سببا النكاح الذي لم يلحقه إبطال أما اللاحق به الإبطال فلا يصح أن يكون سببا ، وما ثبتت سببيته لم ترفع لاستحالة رفع الواقع ، وما ذكره في القرابة أمر ثان عن كون سبب الإرث ليس مطلق القرابة ؛ لأن السببية ثابتة عنه مع عدم اطراده وما ذكر في الولاء ، وكذلك أمر ثان عن كون سببيته ليست مطلقة ، والأولى أن يقال : إنهم ما حصروها في ثلاثة إلا لكونها أمورا مختلفة ثم لم يوجد سبب الميراث سواها ثم إنها ليست أسبابا على الإطلاق بل مقيدة بتعيين من يرث . ا هـ . بل قال ابن عاصم

جميعها أركانه ثلاثه مال ومقدار وذو الوراثه

قال التسولي أي لا يصح الإرث بالعصمة أو الولاء أو النسب إلا باجتماع هذه الأركان الثلاثة أي معرفة مال متروك عن الميت ومقدار ما يرثه كل وارث ومن يرث ممن لا يرث ومهما اختل واحد منها لم يصح . ا هـ . قال التاودي على العاصمية : وبقي عليه أسباب الملك والإسلام خليل ولسيد المعتق بعضه جميع إرثه ، وفي الزرقاني أن تسميته إرثا مجاز ، وإنما هو بالملك ، والظاهر أن الثاني لا يرد بحال ؛ لأنه هو الذي عبر عنه الناظم بقوله : وبيت مال المسلمين يستقل البيت . ا هـ . والله - سبحانه وتعالى - أعلم .




الخدمات العلمية