الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( القسم الثاني ) أن يطلب الداعي من الله تعالى ثبوت ما دل القاطع السمعي على نفيه وله أمثلة :

( الأول ) أن يقول اللهم خلد فلانا المسلم عدوي في النار ولم يرد به سوء الخاتمة ، وقد أخبر الله تعالى إخبارا قاطعا بأن كل مؤمن لا يخلد في النار ولا بد له من الجنة لقوله تعالى { ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار } فيكون هذا الدعاء مستلزما لتكذيب خبر الله تعالى فيكون كفرا .

( الثاني ) أن يقول اللهم أحيني أبدا حتى أسلم من سكرات الموت وكربه ، وقد أخبر الله تعالى عن موته بقوله تعالى { كل نفس ذائقة الموت } فيكون هذا الدعاء مستلزما لتكذيب هذا الخبر فيكون كفرا .

( الثالث ) أن يقول اللهم اجعل إبليس محبا ناصحا لي ولبني آدم أبد الدهر حتى يقل الفساد وتستريح العباد والله سبحانه يقول { إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا } فيكون هذا الدعاء مستلزما لتكذيب هذا الخبر فيكون كفرا وألحق بهذه المثل نظائرها

التالي السابق


حاشية ابن الشاط

قال ( القسم الثاني أن يطلب الداعي من الله تعالى ثبوت ما دل السمع القاطع على نفيه ) قلت الكلام على هذا القسم كالكلام على القسم الأول .



حاشية ابن حسين المكي المالكي

( والقسم الثاني ) أن يطلب الداعي من الله تعالى ثبوت ما دل القاطع [ ص: 287 ] على نفيه ومن أمثلته أن يقول اللهم خلد فلانا المسلم عدوي في النار ولم يرد به سوء الخاتمة ، وقد دل قوله تعالى { ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار } ونحوه من القواطع على أن كل مؤمن لا يخلد في النار ولا بد له من الجنة ، ومنها أن يقول أحيني أبدا حتى أسلم من سكرات الموت وكربه ، وقد دل قوله تعالى { كل نفس ذائقة الموت } ونحوه من القواطع على أنه لا بد له من الموت ، ومنها أن يقول اللهم اجعل إبليس محبا ناصحا لي ولبني آدم أبد الدهر حتى يقل الفساد وتستريح العباد والله سبحانه وتعالى يقول { إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا } ( ولا يخفاك ) أن غاية ما في هذين القسمين طلب التكذيب وهو وإن كان طلب مستحيل إلا أن القاعدة في طلب المستحيل أنه ليس بمستحيل عقلا ولا ممتنع على الصحيح ، وإن كان مستلزما لتجويز التكذيب عند من لا يجوز طلب المستحيل لا عند من يجوز طلبه إلا أن تجويز التكذيب لا يستلزم التكذيب ، وإن كان القصد مقتضى لفظ التكذيب فإنه يجوز تكذيب زيد لعمرو ولا يلزم أن يكون مكذبا لعمرو ولا مجوزا لكذبه فإن كان القصد بلفظ التكذيب الكذب لم يلزم أيضا أن يكون مكذبا له بل يلزم أن يكون مجوزا لوقوع الكذب منه عند من يجوز طلب المستحيل لا عند من لا يجوزه وعلى تقدير ذلك عند من لا يجوزه إنما يكون تكفير من يلزم من دعائه ذلك تكفيرا بالمآل ، وقد حكى الأصل وغيره من أهل السنة الخلاف في ذلك واختار الأصل عدم التكفير ، فجزمه هنا بتكفير الداعي بما في مثل القسمين ليس بصحيح إلا على رأي من يكفر بالمآل ويقول إن لازم المذهب مذهب وليس ذلك مذهب الأصل .




الخدمات العلمية