الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الحالة الثالثة : أن يعفو عن القود إلى غير مال مصرحا بذلك فإن قلنا الواجب القصاص عينا فلا مال له في نفس الأمر وقوله هذا لغو ، وإن قلنا الواجب أحد شيئين سقط القصاص والمال جميعا ، فإن كان ممن تبرع له كالمفلس المحجور عليه والمكاتب والمريض فيما زاد على الثلث والورثة مع استغراق الديون للتركة فوجهان :

أحدهما لا يسقط المال بإسقاطهم وهو المشهور ; لأن المال وجب بالعفو عن القصاص ولا يمكنهم إسقاطه بعد ذلك كالعفو عن دية الخطأ .

الثاني : يسقط في المحرر أنه المنصوص عليه ; لأن المال لا يتعين بدون اختياره له أو إسقاط القصاص وحده وأما إسقاطهما في كلام واحد متصل سقطا جميعا من غير دخول المال في ملكه ويكون ذلك اختيارا منه . نقول لترك التملك فلا يدخل المال في ملكه ، إذا تقرر هذا فهل يكون العفو تفويتا [ للمال إن قلنا إن الواجب القود عينا لم يكن العفو تفويتا للمال ] فلا يوجب ضمانا صرح به القاضي وابن عقيل وكلام أبي الخطاب يدل على وجوب الضمان وصرح في الكافي بأنه على وجهين كما لو اقتص منه في هذه الحالة فإن عنده في الضمان وجهين وقد سبق بيان ضعف ذلك ومخالفته لظاهر تعليل القاضي وابن عقيل .

وكذلك في التلخيص أن في الضمان هاهنا وجهين وصحح عدمه ولم يذكر في الضمان إذا اقتص خلافا ، وفرق بعض الأصحاب بين الضمان بالاقتصاص وعدم الضمان بالعفو بأنه إذا اقتص فقد استوفى بدل المال فلذلك لزمه الضمان بخلاف ما إذا عفى فإنه لم يستوف له بدلا بل فات عليهما جميعا ، ولهذا لو أبر أحد الشريكين الغريم من حقه برئ ولم يلزم الضمان لشريكه بخلاف ما إذا استوفى حقه أو بدله فإنه لشريكه نصيبه منه ، وإن قلنا الواجب أحد شيئين فعفي مجانا ففي الكافي هو كالعفو عن المال فإن كان محجورا عليه لم يصح وإن كان واهيا ففيه ثلاثة أوجه : [ ص: 306 ]

أحدهما لا يصح وهو اختياره أعني صاحب الكافي كما لا يصح عفو المفلس .

والثاني : يصح يؤخذ منه القيمة تكون رهنا ; لأنه أتلفه بعفوه وهو قول أبي الخطاب وبه جزم صاحب التلخيص .

والثالث يصح بالنسبة إلى الراهن دون المرتهن فتؤخذ القيمة من الجاني تكون رهنا مكانه فإذا زال الرهن ردت إلى الجاني وهو قول القاضي وابن عقيل ، وأما على الوجه الثاني الذي حكيناه في أصل المسألة في صحة عفو المفلس والمريض فيما إذا زاد على الثلث والورثة ونحوهم فيتخرج في الضمان وجهان كالاقتصاص إذا قلنا الواجب أحد شيئين ، ويتخرج على هذا الأصل مسائل :

( منها ) عفو الراهن عن الجناية على المرهون وقد ذكرنا حكمه مستوفى .

التالي السابق


الخدمات العلمية