الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 185 ] وأما الجراح فضربان : أحدهما ما يصل إلى العظام في الوجه أو الرأس وأرشه مقدر لا يزيد ولا ينقص بسبب طوله ولا قصره ولا ضيقه ولا اتساعه وهذا بخلاف الأموال .

الضرب الثاني : ما تجب فيه الحكومة من الجراح وهو على قياس الإتلاف يجبر بأرش النقص من المجني عليه لو كان عبدا سليما ومجنيا عليه وبحسب ما بينهما ولكن بالنسبة إلى الدية دون القيمة .

وأما أعضاء بني آدم فإنها تجبر بالدية تارة وبمقدر ينسب إلى الدية تارة ، ولو وقع مثله في الدواب لم يجبر بمقدر وجبر بما ينقص من قيمة السالم من الجناية .

ولو وجب في الإنسان ديات ثم مات بسرايتها لعادت الديات إلى دية واحدة ، ولو فرض مثل ذلك في أعضاء الحيوان ثم مات بالسراية لجبر بقيمته يوم موته ولم يسقط شيئا من أروش أعضائه ، لأن الغالب على جنايات الأناس التعبد الذي لا يوقف على معناه ، والحكومات وإن كانت على وفق القياس من وجه فهي على خلاف القياس من جهة نسبتها إلى الديات . وقد سوى الشرع بين أرش إبهام اليد اليمنى وخنصرها مع ما بينهما من التفاوت في المنفعة ، وكذلك سوى بين أرش إبهام الرجل اليمنى وخنصرها مع التفاوت الظاهر ، وكذلك سوى بين أرش أصابع اليدين وأرش أصابع الرجلين مع بقاء معظم منافع الرجلين وفوات معظم منافع اليدين ، وأعظم من ذلك في مجانبة القياس التسوية بين أرش إبهام اليد اليمنى وسبابتها وبين أرش خنصر الرجل اليسرى وبنصرها ، وكذلك التسوية بين أرش إبهام اليد اليمنى وأرش خنصر الرجل اليسرى ، وأعجب منه التسوية بين دية الأذنين ودية اللسان مع تفاوت النفعين ، وكذلك التسوية بين دية الشم والعقل ودية البصر والشم ، وكذلك التسوية بين الأذنين والرجلين وبينهما وبين اليدين ، وكذلك التسوية بين ديات الأسنان والأصابع مع تفاوتهما في المنافع ، وكذلك التسوية بين موضحتين إحداهما مستوعبة لجميع الرأس [ ص: 186 ] والأخرى بقدر رأس الإبرة ، وكذلك التسوية بين الهاشمتين والمنقلتين مع تفاوتهما في الهشم ونقل العظام ، وليس ذلك إلا تعبدا لا يقف العباد على معناه .

وكذلك خولف القصاص في التماثل الواقع بين الجابر والمجبور في غير الإناس فإن الإنسان يجبر بالإبل وليست من جنسه ولا من جنس أعضائه كما يجبر جزاء الصيد بما ليس من جنسه ولا من جنس أعضائه ، والعبد متردد بين البعير والإنسان فتجبر أعضاؤه عند بعض العلماء بما نقص من قيمته نظرا إلى ماليته كما تجبر أعضاء البعير بمثل ذلك ، والأصح عند الشافعي رحمه الله أن نسبة أروش جراحة العبد إلى قيمته كنسبة أروش جراح الحر إلى ديته .

التالي السابق


الخدمات العلمية