الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      فأما صلاة الجماعة في المساجد ، وإقامة الأذان فيها للصلوات فمن شعائر الإسلام وعلامات التعبد التي فرق بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين دار الإسلام ودار الشرك فإذا اجتمع أهل بلد أو محلة على تعطيل الجماعة في مساجدهم وترك الأذان في أوقات صلواتهم كان المحتسب مندوبا إلى أمرهم بالأذان والجماعة في الصلوات ، وهل ذلك واجب عليه يأثم بتركه أو محتسب له يثاب على فعله ؟ على وجهين من اختلاف أصحاب الشافعي في اتفاق أهل بلد على ترك الأذان والإقامة والجماعة ، وهل يلزم السلطان محاربتهم عليه أم لا ؟ .

                                      فأما ترك صلاة الجماعة من آحاد الناس أو ترك الأذان والإقامة لصلاته فلا اعتراض للمحتسب عليه إذا لم يجعله عادة وإلفا ; لأنها من الندب الذي يسقط بالأعذار إلا أن يقترن به استرابة أو يجعله إلفا وعادة ويخاف تعدي ذلك إلى غيره في الاقتداء به فيراعي حكم المصلحة به في زجره عما استهان به من سنن عبادته ويكون وعيده على ترك الجماعة معتبرا بشواهد حاله ، كالذي [ ص: 305 ] روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { لقد هممت أن آمر أصحابي أن يجمعوا حطبا وآمر بالصلاة فيؤذن لها وتقام ثم أخالف إلى منازل أقوام لا يحضرون الصلاة فأحرقها عليهم } .

                                      وأما ما يأمر به آحاد الناس وأفرادهم فكتأخير الصلاة حتى يخرج وقتها فيذكر بها ويأمر بفعلها ويراعي جوابه عنها ، فإن قال : تركتها لنسيان حثه على فعلها بعد ذكره ، ولم يؤدبه ; وإن قال : تركتها لتوان وهوان أدبه زجرا وأخذه بفعلها جبرا ، ولا اعتراض على من أخرها والوقت باق لاختلاف الفقهاء في فضل التأخير ، ولكن لو كانت الجماعات في بلد قد اتفق أهله على تأخير صلواتهم إلى آخره والمحتسب يرى فضل تعجيلها فهل له أن يأمرهم بالتعجيل على وجهين ; لأن اعتبار جميع الناس لتأخيرها يفضي بالصغير الناشئ إلى اعتقاد أن هذا الوقت دون ما تقدم ولو عجلها بعضهم ترك من أخرها منهم ما يراه من التأخير .

                                      فأما الأذان والقنوت في الصلوات إذا خالف فيه رأي المحتسب فلا اعتراض له فيه بأمر ولا نهي وإن كان يرى إذا كان ما يفعل مسوغا في الاجتهاد لخروجه عن معنى ما قدمناه وكذلك الطهارة إذا فعلها على وجه سائغ يخالف فيه رأي المحتسب من إزالة النجاسة بالمائعات والوضوء بماء تغير بالمذرورات الطاهرات ، أو اقتصار على مسح أقل الرأس ، أو العفو عن قدر الدرهم من النجاسات فلا اعتراض له في شيء من ذلك بأمر ولا نهي ، وكان له في اعتراضه عليهم في الوضوء بنبيذ التمر عند عدم الماء وجهان ، لما فيه من الإفضاء إلى استباحته على كل حال فإنه ربما آل إلى السكر من شربه ثم على نظائر هذا المثال - تكون أوامره بالمعروف في حقوق الله تعالى

                                      التالي السابق


                                      الخدمات العلمية