الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 259 ] القول في قوله تعالى: فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد إلى قوله: رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا . [الآيات: 40-61]

                                                                                                                                                                                                                                      فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نـزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون .للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنـزل إليك وما أنـزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنـزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 260 ] الأحكام:

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس : نسخها قوله : يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق .

                                                                                                                                                                                                                                      فأمروا على هذا القول بألا يصلوا سكارى، ثم أمروا بأن يصلوا على كل

                                                                                                                                                                                                                                      حال، وهذا قبل التحريم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 261 ] وعنه أيضا: أن المعنى: لا تقربوا المساجد وأنتم سكارى; فالمعنى: مواضع الصلاة.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : نسخت بتحريم الخمر.

                                                                                                                                                                                                                                      الضحاك : هي محكمة، والمعنى : سكارى من النوم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا : قال علي ، وابن عباس رضي الله عنهما، وغيرهما: إن المراد بذلك الصلاة; فالمعنى: لا تصلوا جنبا، إلا أن تكونوا مسافرين غير واجدين الماء; فتيمموا، وتأول ذلك قوم في مرور الجنب في المسجد، قال الثوري، وإسحاق، وغيرهما : لا يمر الجنب في المسجد إلا ألا يجد بدا من المرور فيه; فليتيمم ويمر فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد : نزلت في رجال من الأنصار، كانت أبوابهم في المسجد، وكانت تصيبهم الجنابة ، ولا ماء عندهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وأرخص جماعة من العلماء للجنب في المرور في المسجد، منهم مالك، والشافعي، وغيرهما، وأرخص له زيد بن أسلم وغيره أن يجلس فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 262 ] والغسل عند جماعة كثير من العلماء لا يجب إلا بإنزال الماء، روي ذلك عن ابن مسعود، والخدري، وابن عباس، وغيرهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ويجب عند مالك ، والشافعي، وأبي حنيفة، وغيرهم بإنزال الماء، والتقاء الختانين، وإن لم ينزل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا : الرخصة في التيمم عند مالك والشافعي وغيرهما للمريض الذي لا يجد من يناوله الماء ، ولا يقدر أن يمسه إلا أن يضر به.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال عطاء، والحسن، وغيرهما: إنما ذلك للمريض الذي لا يجد الماء، فأما من يجده; فلا يجزئه إلا الاغتسال.

                                                                                                                                                                                                                                      ومذهب مالك ، والشافعي، وغيرهما: أن المسافر يتيمم في قريب السفر وبعيده.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشافعي : وقد قيل: إنه لا يتيمم إلا في سفر تقصر فيه الصلاة.

                                                                                                                                                                                                                                      قال مالك: إن كان المسافر على إياس من الماء; تيمم في أول الوقت، وإن كان على يقين من إدراكه; أخر إلى آخره.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 263 ] قال ابن القاسم: فإن لم يكن عنده علم منه; تيمم في وسط الوقت.

                                                                                                                                                                                                                                      الشافعي: يتيمم المسافر الذي لا يجد الماء في أول الوقت.

                                                                                                                                                                                                                                      عطاء، والثوري ، وأبو حنيفة، وابن حنبل: يتيمم ما بينه وبين آخر الوقت.

                                                                                                                                                                                                                                      الأوزاعي: أي ذلك صنع أجزأه.

                                                                                                                                                                                                                                      والتيمم عند مالك ، والشافعي، وأبي حنيفة، وأصحابه: ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين.

                                                                                                                                                                                                                                      الزهري : إلى الآباط. وعن علي رضي الله عنه: إلى الرسغين.

                                                                                                                                                                                                                                      الأوزاعي، وابن حنبل، وإسحاق: ضربة واحدة للوجه والكفين.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى فتيمموا صعيدا طيبا : اقصدوا وتعمدوا.

                                                                                                                                                                                                                                      قال قتادة : (الصعيد) : الأرض الملساء التي لا نبات عليها.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد : الأرض المستوية.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: (الصعيد) : التراب، وقيل: وجه الأرض، و (الطيب) : الطاهر من الأنجاس.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 264 ] ويتيمم من لم يجد التراب: على الحصى، والرمل، والطين، ويخفف وضع يديه على الطين، ويتيمم على السباخ، هذا مذهب مالك .

                                                                                                                                                                                                                                      أبو حنيفة، وأصحابه : يتيمم بكل شيء يكون من الأرض; كالطين، والجص، والنورة، والزرنيخ.

                                                                                                                                                                                                                                      الشافعي: لا يقع اسم الصعيد إلا على تراب ذي غبار.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية