الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2768 باب : منه وتخيير المعتقة في زوجها

                                                                                                                              وهو في النووي في : (باب بيان أن الولاء لمن أعتق) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ص 147 - 198 ج 10 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن عائشة "زوج النبي صلى الله عليه وسلم" أنها قالت: كان في بريرة ثلاث سنن: خيرت على زوجها، حين عتقت. وأهدي لها لحم، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والبرمة على النار، فدعا بطعام، فأتي بخبز وأدم، من أدم البيت. فقال: "ألم أر برمة على النار، فيها لحم؟". فقالوا: بلى يا رسول الله! ذلك لحم تصدق به على بريرة ، فكرهنا: أن نطعمك منه.

                                                                                                                              فقال: " هو عليها صدقة. وهو منها لنا هدية".

                                                                                                                              وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيها: "إنما الولاء لمن أعتق".].


                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن عائشة رضي الله عنها ، " زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم "; أنها قالت : كان في بريرة ثلاث سنن) . بل ثلاثون ، كما تقدم . قريبا . [ ص: 546 ] (خيرت على زوجها ، حين عتقت) .

                                                                                                                              قال النووي : أجمعت الأمة ، على أنها إذا عتقت كلها تحت زوجها ، وهو عبد : كان لها الخيار ، في فسخ النكاح .

                                                                                                                              فإن كان حرا " ، فلا خيار لها : عند مالك ، والشافعي ، والجمهور .

                                                                                                                              وقال أبو حنيفة : لها الخيار . واحتج برواية ، من روى أنه ، "كان زوجها حرا". وقد ذكرها مسلم ، من رواية شعبة . لكن قال شعبة : ثم سألته عن زوجها ، فقال : لا أدري .

                                                                                                                              واحتج الجمهور : بأنها قضية واحدة . والروايات المشهورة في صحيح مسلم وغيره : أن زوجها كان عبدا . قال الحفاظ : ورواية من روى أنه كان حرا غلط ، وشاذة مردودة : لمخالفتها المعروف في روايات الثقات .

                                                                                                                              ويؤيده أيضا : قول عائشة : "كان عبدا ، ولو كان حرا لم يخيرها ".رواه مسلم .

                                                                                                                              وفي هذا الكلام دليلان ;

                                                                                                                              أحدهما : إخبارها أنه كان عبدا . وهي صاحبة القضية .

                                                                                                                              والثاني : قولها : "لو كان حرا لم يخيرها ". ومثل هذا لا يكاد أحد يقوله ، إلا توقيفا .

                                                                                                                              [ ص: 547 ] ولأن الأصل في النكاح اللزوم . ولا طريق إلى فسخه إلا بالشرع

                                                                                                                              .وإنما ثبت في العبد ، فبقي الحر على الأصل .

                                                                                                                              ولأنه لا ضرر ولا عار عليها وهي حرة ، في المقام تحت حر . وإنما يكون ذلك ، إذا أقامت تحت عبد . فأثبت لها الشرع

                                                                                                                              الخيار في العبد ، لإزالة الضرر ، بخلاف الحر.

                                                                                                                              قالوا : ولأن رواية هذا الحديث ، تدور على عائشة وابن عباس . فأما ابن عباس ; فاتفقت الروايات عنه : أن زوجها كان عبدا . وأما عائشة ، فمعظم الروايات عنها أيضا : أنه كان عبدا . فوجب ترجيحها . والله أعلم .

                                                                                                                              انتهى كلام النووي .

                                                                                                                              وأقول : إنه قد ثبت من طريق ابن عباس ، وابن عمر ، وصفية بنت أبي عبيد . أنه كان عبدا .

                                                                                                                              وثبت عن عائشة : أنه كان عبدا ، من طريق القاسم وعروة . وأنه كان حرا ، من طريق الأسود فقط .

                                                                                                                              ورواية اثنين : أرجح من رواية واحد ، على فرض صحة الجمع .

                                                                                                                              فكيف إذا كانت رواية الواحد معلولة بالانقطاع ؟ كما قال البخاري .

                                                                                                                              [ ص: 548 ] وغاية الأمر : أن الروايات عن عائشة متعارضة . فيرجع إلى رواية غيرها . وقد عرفت أنها متفقة على الجزم بكونه عبدا .

                                                                                                                              وقد بسط القول في ذلك : صاحب شرح "المنتقى" . فراجعه .

                                                                                                                              ) وأهدي لها لحم ، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والبرمة على النار ، فدعا بطعام ، فأتي بخبز وأدم من أدم البيت . فقال : " ألم أر برمة على النار فيها لحم ؟" فقالوا : بلى يا رسول الله ! ذلك لحم تصدق به على بريرة . فكرهنا : أن نطعمك منه . فقال : " هو عليها صدقة . وهو منها لنا هدية ".) .

                                                                                                                              وفيه : دليل على أنه إذا تغيرت الصفة : تغير حكمها . فيجوز للغني شراؤها من الفقير ، وأكلها : إذا أهداها إليه . وللهاشمي ولغيره ; ممن لا تحل له الزكاة ابتداء . والله أعلم .

                                                                                                                              والأصح : أنه صلى الله عليه وآله وسلم ، كانت تحرم عليه :

                                                                                                                              صدقة الفرض ، والتطوع
                                                                                                                              ، مطلقا .

                                                                                                                              قال في "السيل" : أما التعليل بتحريمها : بأنها من أوساخ الناس ، فصدقة النفل ، هي أيضا من أوساخهم . مع صدق اسم الصدقة عليها .

                                                                                                                              [ ص: 549 ] قال : وقد ذكرت في شرحي للمنتقى : الخلاف في تحريم صدقة النفل عليهم . انتهى .

                                                                                                                              وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها: " إنما الولاء لمن أعتق ") . وهذا ، ثابت بالأدلة الصحيحة المتواترة ، وبالإجماع الصحيح .

                                                                                                                              ولم يقل أحد شيئا ، يخالف ذلك .




                                                                                                                              الخدمات العلمية