الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4638 باب : صلة الرحم تزيد في العمر

                                                                                                                              وهو في النووي ، في (باب صلة الرحم ، وتحريم قطيعتها) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ، ص114 ج16 ، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن أنس بن مالك ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ يقول : "من سره : أن يبسط عليه رزقه ، أو ينسأ في أثره : فليصل رحمه" ) .

                                                                                                                              [ ص: 66 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 66 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ يقول : من سره : أن يبسط) بضم الياء (عليه رزقه) .

                                                                                                                              "بسط الرزق" : توسيعه ، وكثرته . وقيل : البركة فيه .

                                                                                                                              وفي رواية أخرى : "من أحب : أن يبسط له في رزقه" . (أو ينسأ) بضم الأول ، وسكون الثاني : من "النسء" . وهو التأخير .

                                                                                                                              أي : يؤخر (في أثره) .

                                                                                                                              "والأثر" : الأجل ، لأنه تابع للحياة ، في أثرها .

                                                                                                                              (فليصل رحمه) يقال : "وصل رحمه ، يصلها ، وصلا ، وصلة" . كأنه -بالإحسان إليهم- : وصل ما بينه وبينهم ، من علاقة القرابة .

                                                                                                                              قال النووي : وأما التأخير ، ففيه سؤال مشهور . وهو أن الآجال والأرزاق مقدرة : لا تزيد ، ولا تنقص . فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون .

                                                                                                                              وأجاب العلماء بأجوبة ؛ [ ص: 67 ] الصحيح منها : أن هذه الزيادة في العمر : "بالبركة فيه" بسبب التوفيق للطاعات ، وعمارة أوقاته : بما ينفعه في الآخرة . وصيانتها عن الضياع في غير ذلك . انتهى .

                                                                                                                              أو المراد : بقاء ذكره الجميل بعده ؛ كالعلم النافع ، ينتفع به . والصدقة الجارية ، والولد الصالح . فكأنه بسبب ذلك : لم يمت . حكاه عياض . قال النووي : وهو ضعيف ، أو باطل . انتهى .

                                                                                                                              لكن قال القسطلاني : ومنه : قول إبراهيم الخليل ، عليه السلام : واجعل لي لسان صدق في الآخرين .

                                                                                                                              وأخرج الطبراني في معجمه الصغير : عن أبي الدرداء ، قال : ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "من وصل رحمه أنسئ له في أجله" . فقال : "ليس زيادة في عمره . قال الله تعالى : فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ، ولكن الرجل يكون له الذرية الصالحة يدعون له من بعده" .

                                                                                                                              [ ص: 68 ] أو المراد : بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة في اللوح المحفوظ ؛ فيظهر لهم "في اللوح المحفوظ" : أن عمره ستون سنة -إلا أن يصل رحمه- فإن وصلها : زيد له "أربعون سنة" . وقد علم الله سبحانه وتعالى ، بما سيقع من ذلك . وهو من معنى قوله : يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب . فبالنسبة إلى علم الله ، وما سبق به قدره : لا زيادة ، بل هي مستحيلة . وبالنسبة إلى ما ظهر للمخلوقين : تتصور الزيادة . وهو مراد الحديث .

                                                                                                                              وقال الكلبي والضحاك -في الآية- : إن الذي يمحوه ويثبته : ما يصعد به الحفظة ، مكتوبا على بني آدم ، فيأمر الله فيه : أن يثبت "ما فيه ثواب ، أو عقاب" ، ويمحى "ما لا ثواب فيه ، ولا عقاب" ، كقوله : "أكلت ، وشربت" ، ونحوهما من الكلام . وهذا باب واسع المجال ، لأن علم الله تعالى : لا نفاد له ، ومعلوماته سبحانه : لا نهاية لها . وكل يوم هو في شأن . ومن ثم كادت أقوال المفسرين فيه : لا تحصر .

                                                                                                                              قال الإمام : يزيل ما يشاء ، ويثبت ما يشاء ، من حكمته . ولا يطلع على غيبه أحدا . فهو المنفرد بالحكم ، والمستقل بالإيجاد والإعدام ، والإحياء والإماتة ، والإغناء والإفقار ، وغير ذلك . "سبحانه وتعالى : عما يقول الظالمون والجاحدون ، علوا كبيرا" . انتهى ما قاله القسطلاني [ ص: 69 ] "رحمه الله تعالى" . ولنا كلام على هذا الحديث ، حررناه في كتابنا : "دليل الطالب" ، فراجعه . ولعلك لا تجد مثله في بابه .




                                                                                                                              الخدمات العلمية