الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4167 باب النهي عن سب الدهر

                                                                                                                              ومثله في (النووي) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ، ص3 ج16 ، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "قال الله عز وجل : يؤذيني ابن آدم ؛ يقول : يا خيبة الدهر ! فلا يقولن أحدكم : يا خيبة الدهر ! فإني ، أنا الدهر ، أقلب ليله ، ونهاره . فإذا شئت قبضتهما" ) .

                                                                                                                              [ ص: 175 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 175 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي هريرة) رضي الله عنه ؛ (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : قال الله تبارك وتعالى : يؤذيني ابن آدم) أي : يعاملني معاملة توجب الأذى في حقكم .

                                                                                                                              (يقول : يا خيبة الدهر ! فلا يقول أحدكم : يا خيبة الدهر !) .

                                                                                                                              وفي البخاري : بحذف "يا" كأنه فقد الدهر ، لما يصدر عنه مما يكرهه : فندبه متفجعا عليه ، أو متوجعا منه . أو هو دعاء عليه بالخيبة .

                                                                                                                              وعند مسلم ، في رواية أخرى : "وادهراه ! وادهراه !" .

                                                                                                                              "والخيبة" : الحرمان والخسران . يقال : "خاب يخيب" . وهو من إضافة المصدر إلى الفاعل .

                                                                                                                              (فإني أنا الدهر) أي : الفاعل لما يحدث فيه .

                                                                                                                              روي : برفع الراء . هذا هو الصواب المعروف ؛ الذي قاله الشافعي ، وأبو عبيد ، وجماهير المتقدمين والمتأخرين .

                                                                                                                              وقال أبو بكر ، ومحمد بن داود الأصبهاني ، الظاهري : إنما هو "الدهر" بالنصب ، على الظرف . أي أنا ، مدة الدهر .

                                                                                                                              [ ص: 176 ] (أقلب ليله ونهاره) .

                                                                                                                              وحكى ابن عبد البر : هذه الرواية ، عن بعض أهل العلم . وقال النحاس : يجوز النصب . أي : فإن الله باق مقيم أبدا ، لا يزول .

                                                                                                                              وقال بعضهم : هو منصوب على التخصيص . والظرف : أصح وأصوب .

                                                                                                                              أما رواية الرفع ، وهي الصواب فموافقة لقوله : "فإن الله هو الدهر" .

                                                                                                                              قال العلماء : وهو مجاز . وسببه أن العرب كان شأنها أن تسب الدهر عند النوازل ، والحوادث ، والمصائب النازلة بها من موت ، أو هرم ، أو تلف مال ، أو غير ذلك ، فيقولون : "يا خيبة الدهر" ونحو هذا ، من ألفاظ سب الدهر . فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : "لا يقولن أحدكم" هذه الكلمة ونحوها : "فإن الله هو الدهر" . أي : فاعل الحوادث .

                                                                                                                              (فإذا شئت قبضتهما) أي : الليل والنهار .

                                                                                                                              قال في "بهجة النفوس" : لا يخفى أن من سب الصنعة فقد سب صانعها . فمن سب الليل والنهار أقدم على أمر عظيم بغير معنى . ومن سب ما يقع فيهما من الحوادث - وذلك أغلب ما يقع من الناس- : فلا شيء في ذلك . انتهى .

                                                                                                                              [ ص: 177 ] وقال جماعة من المحققين : من نسب "شيئا من الأفعال" إلى الدهر حقيقة كفر . ومن جرى هذا اللفظ على لسانه غير معتقد لذلك فليس بكافر . لكن يكره له ذلك ، لتشبهه بأهل الكفر ، في الإطلاق .

                                                                                                                              وقال عياض : زعم بعض من لا تحقيق عنده : أن "الدهر" من أسماء الله تعالى . وهو غلط . فإن "الدهر" مدة زمان الدنيا . انتهى .

                                                                                                                              وهذا الحديث ، له ألفاظ وطرق في الصحيحين ؛

                                                                                                                              منها : حديث عند مسلم ؛ "قال الله وجل : يسب ابن آدم الدهر ، وأنا الدهر بيدي الليل والنهار" .

                                                                                                                              وعنده أيضا بلفظ : "قال الله : يؤذيني ابن آدم ؛ يسب الدهر ، وأنا الدهر ، أقلب الليل والنهار" .

                                                                                                                              وفي رواية : "ولا يقولن أحدكم : يا خيبة الدهر ! فإن الله هو الدهر" .

                                                                                                                              وفي البخاري ، بلفظ : "يسب بنو آدم الدهر إلخ" .

                                                                                                                              وعند أحمد ، بسند صحيح ، عن أبي هريرة : "لا تسبوا الدهر ؛ فإن الله تعالى ، قال : أنا الدهر ، الأيام والليالي لي أجددها وأبليها ، وآتي بملوك بعد ملوك" .

                                                                                                                              [ ص: 178 ] فإذا سب ابن آدم الدهر ، على أنه فاعل هذه الأمور عاد السب إلى الله تعالى ، لأنه هو الفاعل . والدهر إنما هو ظرف لمواقع هذه الأمور . فالمعنى : أنا مصرف الدهر . فحذف اختصارا للفظ ، واتساعا في المعنى .




                                                                                                                              الخدمات العلمية