الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              5109 (باب منه)

                                                                                                                              وهو في النووي، في: (باب الصفات، التي يعرف بها في الدنيا: أهل الجنة، وأهل النار).

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي، ص 197 - 199 ج 17، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن عياض بن حمار المجاشعي؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال - ذات يوم - في خطبته: «ألا إن ربي أمرني: أن أعلمكم ما جهلتم، مما علمني يومي هذا؛ [ ص: 198 ] كل مال نحلته عبدا: حلال. وإني خلقت عبادي: حنفاء، كلهم. وإنهم أتتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم. وحرمت عليهم: ما أحللت لهم. وأمرتهم، أن لا يشركوا بي: ما لم أنزل به سلطانا. وإن الله نظر إلى أهل الأرض، فمقتهم: عربهم، وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب.

                                                                                                                              وقال: إنما بعثتك؛ لأبتليك، وأبتلي بك. وأنزلت عليك: كتابا، لا يغسله الماء.

                                                                                                                              تقرؤه: نائما، ويقظان. وإن الله أمرني: أن أحرق قريشا. فقلت: رب! إذا يثلغوا رأسي، فيدعوه: خبزة.

                                                                                                                              قال: استخرجهم، كما استخرجوك. واغزهم، نغزك. وأنفق، فسننفق عليك. وابعث جيشا، نبعث خمسة مثله. وقاتل بمن أطاعك: من عصاك. قال: وأهل الجنة ثلاثة؛ ذو سلطان مقسط، متصدق، موفق. ورجل رحيم، رقيق القلب: لكل ذي قربى، ومسلم. وعفيف متعفف، ذو عيال. قال: وأهل النار خمسة؛ الضعيف، الذي لا زبر له، الذين هم فيكم تبعا، لا يتبعون: أهلا، ولا مالا.

                                                                                                                              [ ص: 199 ] والخائن، الذي لا يخفى له طمع - وإن دق - إلا خانه. ورجل، لا يصبح ولا يمسي: إلا وهو يخادعك عن أهلك، ومالك». وذكر البخل - أو الكذب - «والشنظير، الفحاش»
                                                                                                                              ولم يذكر «أبو غسان» - في حديثه -: «وأنفق، فسننفق عليك»).

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن عياض بن حمار المجاشعي ؛ أن رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم ؛ قال - ذات يوم - في خطبته: «ألا إن ربي أمرني: أن أعلمكم ما جهلتم، مما علمني يومي هذا ؛ كل مال نحلته عبدا: حلال).

                                                                                                                              وفي هذا الكلام حذف أي: قال الله تعالى: كل مال أعطيته عبدا من عبادي، فهو له حلال.

                                                                                                                              والمراد: إنكار ما حرموا على أنفسهم: من السائبة، والوصيلة، والبحيرة، والحامي، وغير ذلك. وأنها لم: تصر حراما، بتحريمهم. وكل مال ملكه العبد: فهو حلال له، حتى يتعلق به حق.

                                                                                                                              وفي هذا: إشارة إلى أن الأصل في الأشياء: إباحة، حتى ينقله الدليل.

                                                                                                                              [ ص: 200 ] (وإني خلقت عبادي: حنفاء، كلهم) أي: مسلمين. وقيل: طاهرين من المعاصي. وقيل: مستقيمين، متهيئين لقبول الهداية.

                                                                                                                              وقيل: المراد حين أخذ عليهم العهد في الذر، وقال ألست بربكم قالوا بلى . والأول: أولى: (وإنهم أتتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم). هكذا هو في نسخ بلاد النووي: بالجيم. وكذا نقله عياض: عن رواية الأكثرين. وفي رواية «أبي علي الغساني»: «فاختالتهم» بالخاء. قال: والأول: أصح وأوضح.

                                                                                                                              أي: استخفوهم ؛ فذهبوا بهم، وأزالوهم عما كانوا عليه، وجالوا معهم في الباطل. كذا فسره الهروي، وآخرون.

                                                                                                                              وقال شمر: اجتال الرجل الشيء: ذهب به. واجتال أموالهم: ساقها، وذهب بها.

                                                                                                                              قال عياض: ومعنى «فاختالوهم» بالخاء: يحبسونهم عن دينهم، ويصدونهم عنه.

                                                                                                                              [ ص: 201 ] (وحرمت عليهم: ما أحلل لهم. وأمرتهم: أن يشركوا بي: ما لم أنزل به سلطانا. وإن الله عز وجل، نظر إلى أهل الأرض، فمقتهم).

                                                                                                                              «المقت»: أشد البغض.

                                                                                                                              (عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب).

                                                                                                                              المراد بهم: الباقون على التمسك بدينهم الحق، من غير تبديل.

                                                                                                                              (وقال: إنما بعثتك. لأبتليك) أي: أمتحنك بما يظهر منك، من قيامك بما أمرتك به: من تبليغ الرسالة. وغير ذلك ؛ من الجهاد في الله حق جهاده، والصبر في الله تعالى، وغير ذلك.

                                                                                                                              (وأبتلي بك) من: أرسلتك إليهم ؛ فمنهم: من يظهر إيمانه، ويخلص في طاعاته. ومن يتخلف، ويتأبد: بالعداوة، والكفر. ومن ينافق.

                                                                                                                              والمراد: أن يمتحنه، ليصير ذلك واقعا بارزا. فإن الله تعالى، إنما يعاقب العباد: على ما وقع منهم، لا على ما يعلمه قبل وقوعه. وإلا فهو سبحانه عالم بجميع الأشياء، قبل وقوعها.

                                                                                                                              وهذا نحو قوله تعالى: ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين

                                                                                                                              [ ص: 202 ] أي: نعلمهم فاعلين ذلك، متصفين به.

                                                                                                                              (وأنزلت عليك كتابا، لا يغسله الماء). أي: محفوظ في الصدور، لا يتطرق إليه الذهاب، بل يبقى على ممر الأزمان.

                                                                                                                              (تقرؤه نائما ويقظان).

                                                                                                                              قال أهل العلم: معناه: يكون محفوظا لك، في حالتي النوم واليقظة.

                                                                                                                              وقيل تقرؤه في يسر وسهولة. والأول: أولى.

                                                                                                                              (وإن الله أمرني: أن أحرق قريشا. فقلت: رب ! إذا يثلغوا رأسي، فيدعوه خبزة) أي: يشدخوه ويشجوه، كما يشدخ الخبز. أي: يكسر.

                                                                                                                              (فقال: استخرجهم، كما أخرجوك. واغزهم، نغزك): بضم النون. أي: نعينك.

                                                                                                                              (وأنفق، فسننفق عليك. وابعث جيشا، نبعث خمسة مثله. وقاتل بمن أطاعك: من عصاك.

                                                                                                                              قال: وأهل الجنة ثلاثة) هذا موضع ترجمة الباب: (ذو سلطان مقسط) أي: عادل، (متصدق، موفق.

                                                                                                                              [ ص: 203 ] ورجل رحيم، رقيق القلب: لكل ذي قربي، ومسلم) مجرور، معطوف على «ذي قربي».

                                                                                                                              (وعفيف متعقف ذو عيال): لا يسأل الناس إلحافا.

                                                                                                                              (قال: وأهل النار خمسة ؛ الضعيف، الذي لا زبر له): بفتح الزاي وإسكان الباء. أي: لا عقل له، يزبره ويمنعه: مما لا ينبغي.

                                                                                                                              وقيل: هو الذي لا مال له. وقيل: الذي ليس عنده، ما يعتمده.

                                                                                                                              (الذين هم فيكم تبعا، لا يتبعون) بالعين المهملة. مخفف ومشدد: من الاتباع.

                                                                                                                              وفي بعض النسخ: «يبتغون» بالباء، والغين المعجمة. أي لا يطلبون (أهلا، ولا مالا.

                                                                                                                              والخائن، الذي لا يخفى له طمع - وإن دق - إلا خانه).

                                                                                                                              قال أهل اللغة: يقال: «خفيت الشيء»: إذا أظهرته.

                                                                                                                              «وأخفيته»: إذا سترته، وكتمته. هذا هو المشهور.

                                                                                                                              وقيل: هما لغتان، فيهما جميعا. فمعنى «لا يخفى»: لا يظهر.

                                                                                                                              (ورجل لا يصبح ولا يمسي: إلا وهو يخادعك عن أهلك، ومالك).

                                                                                                                              [ ص: 204 ] وذكر البخل والكذب) هي في أكثر النسخ: «أو الكذب» بأو. وفي بعضها بالواو. والأول: هو المشهور في نسخ بلاد النووي.

                                                                                                                              وقال عياض: روايتنا عن جميع شيوخنا «بالواو»، إلا «ابن أبي جعفر» عن الطبري، فبأو. وقال بعض الشيوخ: ولعله الصواب، وبه تكون المذكورات خمسة.

                                                                                                                              (والشنظير): بكسر الشين والظاء، المعجمتين. وإسكان النون بينهما. وفسره في الحديث، بقوله: (الفحاش). وهو السيئ الخلق.

                                                                                                                              ولم يذكر «أبو غسان» في حديثه: «وأنفق، فسننفق عليك». وقد اشتمل هذا الحديث، على فوائد كثيرة ؛ منها: فضل العلم، والتعليم. وإباحة الأموال، كلها. واجتيال الشياطين: المسلمين عن دينهم. وذم الشرك بالله. وكون «قليل من أهل الكتاب»: غير ممقوت. وفيه: أن بعثته. صلى الله عليه وآله وسلم، إلى الناس: للابتلاء. وفيه: وصف الكتاب العزيز.

                                                                                                                              [ ص: 205 ] وفيه: الأمر بقتال قريش، وإخراجهم، وإعانة الله له صلى الله عليه وآله وسلم: على ذلك.

                                                                                                                              وفيه: فضل النفقة، في سبيل الله..

                                                                                                                              وفيه: بيان صفات أهل الجنة، وأهل النار: التي يعرفون بها. وهو المقصود ههنا. اللهم ! إنا نسألك: الجنة، ونعوذ بك: من النار.




                                                                                                                              الخدمات العلمية