الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              88 (باب أربع من كن فيه كان منافقا خالصا)

                                                                                                                              وقال النووي: «باب بيان خصال المنافق» :

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 46 جـ2 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن عبد الله بن عمرو ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ، ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من نفاق، حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر. غير أن في حديث سفيان وإن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق ].

                                                                                                                              [ ص: 146 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 146 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن عبد الله بن» عمرو رضي الله عنهما قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ) . أي: شديد الشبه بالمنافقين؛ بسبب هذه الخصال.

                                                                                                                              قال بعض أهل العلم: هذا فيمن كانت هذه الخصال غالبة عليه؛ فأما من يندر ذلك منه، فليس داخلا فيه.

                                                                                                                              قال النووي: هذا هو المختار في معنى الحديث. وقد نقل أبو عيسى الترمذي معناه عن العلماء مطلقا فقال: إنما معنى هذا عند أهل العلم: «نفاق العمل» .

                                                                                                                              وقال جماعة من العلماء: المراد به: المنافقون، الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فحدثوا بإيمانهم وكذبوا، وأتمنوا على دينهم فخانوا، ووعدوا في أمر الدين ونصره فأخلفوا، وفجروا في خصوماتهم.

                                                                                                                              وهذا قول سعيد بن جبير، وعطاء بن أبي رباح، ورجع إليه الحسن البصري، بعد أن كان على خلافه، وهو مروي عن ابن عباس، وابن عمر، ورواه أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                              قال عياض: ومال إليه كثير من أئمتنا.

                                                                                                                              وحكى الخطابي قولا آخر، أن معناه: التحذير للمسلم، أن يعتاد هذه الخصال التي يخاف عليه أن تفضي به إلى حقيقة النفاق.

                                                                                                                              وحكي أيضا عن بعضهم: أن الحديث ورد في رجل بعينه منافق [ ص: 147 ] وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يواجههم بصريح القول؛ فيقول «فلان منافق» وإنما كان يشير إشارة؛ كقوله: «ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا» وأقول: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ولفظ «من» في المتن عام يشمل كل أحد موجود كان في ذلك الزمن، أو جاء بعده.

                                                                                                                              وفي رواية أخرى «آية المنافق ثلاث» ولا منافاة بينهما، فإن الشيء الواحد تكون له علامات، كل واحدة منهن تحصل بها صفة، ثم قد تكون تلك العلامة شيئا واحدا، وقد تكون أشياء.

                                                                                                                              وقوله (آية المنافق ) (فيه» دلالة على العموم كما أشرنا إليه. (ومن كانت فيه خلة» .

                                                                                                                              «الخلة والخصلة» . بفتح الخاء فيهما؛ وإحداهما بمعنى الأخرى. (منهن كانت فيه خله من نفاق حتى يدعها.

                                                                                                                              وهذه العبارة، تدل على أن المراد به «المنافق العرفي» ، وهو من يخالف سره علنه (إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر ) هو داخل في قوله: وإذا اؤتمن خان (وإذا وعد أخلف ) أي: جعل «الوعد» خلافا، (وإذا خاصم فجر ) أي: مال عن الحق. وقال: الباطل والكذب.

                                                                                                                              قال أهل اللغة: «أصل الفجور» الميل عن القصد. قال في «المرقاة» «فجر» أي: شتم، ورمى بالأشياء القبيحة. «غير أن في حديث «سفيان» وإن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق. والمعنى واحد.

                                                                                                                              [ ص: 148 ] وهذا الحديث، مما عده جماعة من العلماء مشكلا، من حيث إن هذه الخصال، توجد في المسلم المصدق، الذي ليس فيه شك.

                                                                                                                              وقد أجمع أهل العلم، على أن من كان مصدقا بقلبه، ولسانه، وفعل هذه الخصال، لا يحكم عليه بكفر، ولا هو منافق يخلد في النار، فإن إخوة يوسف عليه السلام، جمعوا هذه الخصال، وكذا وجد لبعض السلف والعلماء بعض هذا أو كله.

                                                                                                                              قال النووي: وليس فيه بحمد الله تعالى إشكال، ولكن اختلف العلماء في معناه؛ فالذي قاله المحققون والأكثرون وهو الصحيح المختار: أن معناه أن هذه الخصال خصال نفاق، وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال. ومتخلق بأخلاقهم.

                                                                                                                              فإن النفاق، هو إظهار ما يبطن خلافه. وهذا المعنى موجود في صاحب هذه الخصال، ويكون نفاقه في حق من حدثه، ووعده، وائتمنه، وخاصمه، وعاهده، من الناس، لا أنه منافق في الإسلام، فيظهره وهو يبطن الكفر. ولم يرد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا أنه منافق، نفاق الكفار المخلدين في الدرك الأسفل من النار. انتهى.




                                                                                                                              الخدمات العلمية