الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم .

[10] ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم وجوابه [ ص: 511 ] محذوف للتعظيم ؛ أي : لعذبكم ، ولكشف الزناة بأيسر من هذا .

فلما نزلت الآية ، جمعهما رسول الله في المسجد ، وتلاعنا ، فتلكأت المرأة عند الخامسة لما وعظت ، وقيل لها : إنها موجبة ، ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم ، فمضت ، وفرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهما ، وولدت غلاما أشبه خلق الله بشريك ، ثم كان الغلام بعد ذلك أميرا بمصر ، وهو لا يعرف لنفسه أبا .

وأما حكم الآية ، فإنه إذا قذف الرجل المكلف امرأته المحصنة ؛ أي : البالغة العاقلة الحرة المسلمة العفيفة بالزنا ، وجب عليه الحد إن طلبت ، وله إسقاط الحد باللعان ، وهو شرعا : شهادات مؤكدات بأيمان من الجانبين ، مقرونة باللعن والغضب ، قائمة مقام حد قذف في جانبه ، وحد زنا في جانبها ، وصفته : أن يبدأ الزوج فيقول : أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به امرأتي هذه من الزنا ، ويشير إليها ، وإن لم تكن حاضرة ، سماها ، ونسبها حتى يكمل أربع مرات ، ثم يقول في الخامسة : و أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا ، فيلزمها حينئذ الحد ، ويدرأ عنها بأن تقول هي : أشهد بالله أنه من الكاذبين فيما رماني به من الزنا ، أربع مرات ، ثم تقول في الخامسة : و أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا ، فإن لاعنت المرأة قبل الزوج ، اعتد به عند أبي حنيفة ؛ لأن المقصود تلاعنهما ، وقد وجد ، وقال الثلاثة : لا يعتد به ؛ لأنه على غير الترتيب المشروع .

ويكون اللعان وهما قائمان بحضور الحاكم وجماعة في الأوقات والأماكن المعظمة ، وإذا بلغ كل منهما الخامسة ، وعظه الحاكم ، [ ص: 512 ] فيقول : اتق الله ؛ فإنها الموجبة للعذاب ، وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة .

ويصح اللعان بين الزوجين ، ولو كانا ذميين أو رقيقين أو فاسقين عند الثلاثة ، وقال أبو حنيفة : يشترط أن يكونا من أهل الشهادة ؛ بأن يكونا حرين مسلمين عاقلين بالغين غير محدودين في قذف ، فإن لم يكن الزوج كذلك ، فعليه الحد ؛ لأن اللعان امتنع لمعنى في جهته ، فرجع إلى الموجب الأصلي .

وإن نفى الولد في التعانه ، انتفى بالاتفاق ، ما لم يكن أقر به ، ومالك يشترط استبراءها بحيضة وعدم وطئها بعد الاستبراء ، فإن لاعن ، ونكلت ، حبست حتى تقر أربعا ، أو تلاعن عند أبي حنيفة وأحمد ، وعند مالك والشافعي إذا امتنعت من اللعان ، حدت للزنا ، فجلدت إن كانت بكرا ، وكانت على نكاحه ، إلا أن يطلقها ، وإن كانت ثيبا ، رجمت ، واستحق الميراث منها ، فإذا تم اللعان بينهما ، سقط عنه الحد ، ووقعت الفرقة والتحريم بينهما أبدا عند مالك وأحمد ، ولا يفتقر إلى تفريق الحاكم عندهما ، وعند الشافعي تقع الفرقة المؤبدة بمجرد لعانه ، وعند أبي حنيفة يشترط تفريق الحاكم بينهما بعد التعانهما ، والفرقة طلقة بائنة عند أبي حنيفة ، فلو أكذب نفسه ، حد ، وله أن ينكحها ، وعند الثلاثة وأبي يوسف هي فسخ ، ولا تحل له ، ولو أكذب نفسه ، والله أعلم .

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية