الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين .

[6] وإذ أي: واذكر إذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل ولم يقل: [ ص: 41 ]

يا قوم؛ لأنه لم يكن له في بني إسرائيل قرابة.

إني رسول الله إليكم مصدقا أي: في حال تصديقي.

لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد يعني: محمدا - صلى الله عليه وسلم، و (أحمد) هو الذي حمده لربه أفضل من حمد الحامدين غيره، وهو الذي يحمده أهل الدنيا وأهل الآخرة، وأهل السماء والأرض، فلكثرة خصائله المحمودة التي تفوق عدد العادين سمي باسمين من أسماء الحمد، يقتضيان التفضيل والزيادة في القدر والصفة، فدل أحد الاسمين وهو محمد على كونه محمودا، ودل الاسم الثاني وهو أحمد على كونه أحمد الحامدين لربه، وأن الحمد الذي يستحقه أفضل مما يستحقه غيره، وقد أكرمه الله سبحانه بهذين الاسمين المشتقين من اسمه جل وعلا، وتقدم تفسير محمد في سورة (آل عمران) ، وفي (الأحزاب) ، ولم يسم بأحمد أحد غيره، ولا دعي به مدعو قبله، وكذلك محمد أيضا لم يسم به أحد من العرب ولا غيرهم إلى أن شاع قبيل وجوده -عليه السلام- وميلاده: أن نبيا يبعث اسمه محمد، فسمى قوم قليل من العرب أبناءهم بذلك؛ رجاء أن يكون أحدهم هو، وهم: محمد بن أحيحة بن الجلاج الأوسي، ومحمد بن مسلمة الأنصاري، ومحمد بن براء البكري، ومحمد بن سفيان بن مجاشع، ومحمد بن حمدان الجعفي، ومحمد بن خزاعي السلمي، لا سابع لهم، ثم حمى الله كل من تسمى به أن يدعي النبوة أو يدعيها أحد له، أو يظهر [ ص: 42 ] له، أو يظهر عليه سبب تشكك أحدا في أمره حتى تحققت السمتان له - صلى الله عليه وسلم، ولم ينازع فيهما. قرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وخلف، وحفص عن عاصم: (من بعدي) بإسكان الياء، والباقون: بفتحها، وكان بين رفع المسيح ومولد النبي - صلى الله عليه وسلم - خمس مئة وخمس وأربعون سنة تقريبا، وعاش المسيح إلى أن رفع ثلاثا وثلاثين سنة، وبين رفعه والهجرة الشريفة خمس مئة وثمان وتسعون سنة، ونزل عليه جبريل -عليه السلام- عشر مرات، وأمته النصارى على اختلافهم.

فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين قرأ حمزة، والكسائي، وخلف: (ساحر) بألف بعد السين وكسر الحاء، إشارة إلى عيسى عليه السلام، وقرأ الباقون: بكسر السين وإسكان الحاء من غير ألف، إشارة إلى ما جاء به.

التالي السابق


الخدمات العلمية