الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
م6 - وأجمعوا : على أن كل من وجبت عليه الصلاة من المخاطبين بها ، ثم امتنع من الصلاة جاحدا لوجوبها ؛ فإنه كافر ، ويجب قتله ردة . [ ص: 115 ]

م7 - ثم اختلفوا : فيمن تركها ولم يصل - وهو معتقد لوجوبها - فقال مالك ، والشافعي ، وأحمد : يقتل إجماعا منهم ، وقال أبو حنيفة : يحبس أبدا حتى يصلي من غير قتل .

م8 - ثم اختلف : موجبو قتله بعد ذلك في تفصيل هذه الجملة : فقال مالك : يقتل حدا ، وقال ابن حبيب من أصحابه : يقتل كفرا ، ولم تختلف الرواية عن مالك أنه يقتل [ ص: 116 ] بالسيف ، وإذا قتل حدا - على المستقر من مذهب مالك - فإنه يورث ويصلى عليه ، وله حكم أموات المسلمين ، وقال الشافعي : إذا ترك الصلاة معتقدا لوجوبها وجب عليه القتل ويقتل حدا ، وحكمه حكم أموات المسلمين .

واختلف : أصحابه متى يقتل ؟ فقال أبو علي بن أبي هريرة : ظاهر كلام الشافعي أنه يقتل إذا ضاق وقت الصلاة الأولى ، وهكذا ذكر صاحب الحاوي ، وقال أبو سعيد الإصطخري يقتل بترك الصلاة الرابعة مع ضيق وقتها ، وقال أبو إسحاق الإسفراييني : يقتل بترك الصلاة الثانية إذا ضاق وقتها ، ويستتاب قبل القتل .

واختلفوا أيضا : كيف يقتل ؟ فقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي : المنصوص أنه يقتل ضربا بالسيف ، إلا أن أبا العباس بن سريج قال : لا يقتل بالسيف لكن ينخس به ، أو يضرب بالخشب حتى يصلي أو يموت .

واختلفوا أيضا : هل يكفر بتركها مع اعتقاد وجوبها ؟ فمنهم من قال : يكفر بمجرد [ ص: 117 ] تركها لظاهر الحديث ، ومنهم من قال : لا يحكم بكفره ، ويتأول الحديث على الاعتقاد ، وقال أحمد : من ترك الصلاة كسلا وتهاونا وهو غير جاحد لوجوبها فإنه يقتل رواية واحدة عنه .

واختلفت : الرواية عنه : متى يجب قتله ؟ على ثلاث روايات : الأولى أنه متى ترك صلاة واحدة وتضايق وقت الثانية ، ودعي إلى فعلها ولم يصل ، قتل - نص عليه - وهي اختيار أكثر أصحابه ، وفرق أبو إسحاق ابن ساقلا منهم فقال : إن ترك صلاة إلى وقت صلاة أخرى لا يجمع معها - مثل أن يترك الفجر إلى الظهر ، والعصر إلى المغرب - قتل ، وإن ترك صلاة إلى وقت صلاة أخرى يجمع معها ، كالمغرب إلى العشاء ، أو الظهر إلى العصر ، لم يقتل ، والثانية : أنه إذا ترك ثلاث صلوات متواليات ، وتضايق وقت الرابعة ، دعي إلى فعلها ولم يصل : قتل ، والثالثة : أنه يدعى إليها ثلاثة أيام ، فإن صلى وإلا قتل .

رواها المروزي واختارها الخرقي ، ويقتل بالسيف رواية واحدة .

واختلف عنه : هل وجب قتله حدا أو لكفره ؟ على روايتين : إحداهما : أنه يقتل لكفره [ ص: 118 ] كالمرتد ، ويجري عليه أحكام المرتدين ، فلا يورث ولا يصلى عليه ، ويكون ماله فيئا وهي اختيار جمهور أصحابه ، والأخرى : أنه يقتل حدا ، وحكمه حكم أموات المسلمين ، وهي اختيار أبي عبد الله بن بطة .

التالي السابق


الخدمات العلمية