الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال تعالى : الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك [النور : 3] ؛ يعني : أن الغالب أن المائل إلى الزنا لا يرغب في نكاح الصوالح ، والزانية لا يرغب فيها الصلحاء .

قال ابن عباس : ليس هذا بالنكاح ، ولكن الجماع : لا يزني بها حين تزني إلا زان ، أو مشرك . [ ص: 261 ]

وحرم ذلك على المؤمنين ؛ أي : الزنا ، أو نكاح الزواني ؛ لما فيه من التشبه بالفسقة ، والتعرض للتهمة ؛ والطعن في النسب ، والتسبب بسوء المقالة وغير ذلك من المفاسد .

ومجالسة الخاطئين كم فيها من التعرض لاقتراف الآثام ، فكيف بمزاوجة البغايا ، والقحاب ، والمشركات بالله ؟ !

فعلى المؤمن ألا يدخل نفسه تحت هذه الآية ، ويتصون عنها .

وفي الآية إشارة إلى ذم الشرك ، وإلى أن أهله لا ينبغي النكاح بهم ، والمصاهرة معهم .

وقال تعالى في حق الصحابة ، الذين هم سلف هذه الأمة ، وأئمتها : يعبدونني لا يشركون بي شيئا [النور : 55] ؛ أي : غير مشركين بي في العبادة شيئا من الأشياء .

وقيل : معناها : لا يراؤون بعبادتي أحدا ، والرياء شرك .

وقيل : لا يخافون أحدا غيري . قاله ابن مسعود .

وقيل : لا يحبون غيري .

ولا مانع من الحمل على الجميع .

وقال تعالى : وادع إلى ربك [الحج : 87] ؛ أي : إلى الله ، وإلى توحيده ، والعمل بفرائضه ، واجتناب معاصيه .

ولا تكونن من المشركين له في جميع أحوالكم في الدنيا ، وعند البعث ، ليجزي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته ، لا إلى غيره - سبحانه وتعالى - .

وقال تعالى : وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم [لقمان : 15] ؛ أي : إن طلب والداك منك أن تشرك بالله فيه شيئا من الأشياء ، وألزماك أن تشرك بي إلها ، ليس لك علم بكونه إلها ، فلا تطعهما في الإشراك . [ ص: 262 ]

وإذا لم تجز طاعة الأبوين في هذه المطلب ، مع المجاهدة منهما له ، فعدم جوازها مع مجرد الطلب بدون مجاهدة منهما أولى .

ويلحق بطلب الشرك منهما سائر معاصي الله ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق » .

قال تعالى : ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون [الروم : 12] . قال الفراء ، والزجاج : المبلس : الساكت المنقطع في حجته ، الذي أيس أن يهتدي إليها .

ولم يكن لهم ؛ أي : المشركين من شركائهم الذين عبدوهم من دون الله ، وأشركوهم ، وهم الأصنام ليشفعوا لهم شفعاء ويجيرونهم من عذاب الله .

وكانوا في ذلك الوقت بشركائهم ؛ أي : بآلهتهم الذين جعلوهم شركاء : كافرين ؛ أي : جاحدين لكونهم آلهة ؛ لأنهم علموا إذ ذاك أنهم لا ينفعون ، ولا يضرون .

وقال تعالى : منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا [الروم : 31] بالله ؛ أي : ممن يشرك به غيره في العبادة .

وقال تعالى : ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون [الروم : 33] .

تعجب من أحوالهم ما صاروا إليه من الاعتراف بوحدانية الله سبحانه عند نزول الشدائد ، والرجوع إلى الشرك عند رفع ذلك عنهم.

وقال -سبحانه وتعالى - : وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم [لقمان : 13] .

نهاه أن يقع منه إشراك في المستقبل .

وبدأ في وعظه بنهيه عن الشرك ؛ لأنه أهم من غيره .

وإنما كان ظلما عظيما ؛ لأنه تسوية بين من لا نعمة إلا وهي منه ، وبين من لا له نعمة وأصلا . [ ص: 263 ]

وقال تعالى : وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم [لقمان : 15] ؛ أي : لا علم لك بشركته .

التالي السابق


الخدمات العلمية