الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وجملة هذا الباب : أن طاعة الأبوين لا تراعى في ركوب كبيرة ، ولا ترك فريضة على الأعيان ، وتلزم طاعتهما في المباحات .

وقال تعالى : ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات [الأحزاب : 73]

فيه تسجيل لعذاب أهل النفاق ، والشرك ، وقبول لتوبة أهل الإيمان .

وهذا يرشدك إلى ذم الشرك ، وثناء التوحيد .

وقال تعالى : قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله [فاطر : 40] ، وهم الأصنام ، وغيرها .

أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات أم آتيناهم كتابا فهم على بينت منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا .

وذلك قولهم : إن هذه الآلهة تنفعهم ، وتقربهم إلى الله ، وتشفع لهم عنده ، وقيل غير ذلك.

وقال -سبحانه وتعالى - : ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك [الزمر : 65] من الرسل الكرام لئن أشركت يا محمد صلى الله عليه وسلم فرضا : ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين .

قال مقاتل : أي : أوحي إليك ، وإلى الأنبياء قبلك بالتوحيد ، والتوحيد مقدر ، ثم قال: لئن أشركت ، وهو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة .

وفي الآية من التخويف ما لا يقادر قدره ، ولا يبلغ مداه ؛ لأن هذا الخطاب إذا كان لسيد المرسلين ، وأفضل النبيين ، ومن أرسله الله رحمة للعالمين ، فكيف بمن عداه من الناس أجمعين إذا وقع منهم الإشراك بالله رب العالمين ؟

قيل : هذا خاص بالأنبياء -عليهم السلام - ؛ لأن الشرك منهم أعظم ذنبا من الشرك من غيرهم ، والأول أولى . [ ص: 264 ]

قال في «فتح البيان » : هذه الآية مقيدة بالموت على الشرك كما في الآية الأخرى : ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم [البقرة : 217] .

بل الله فاعبد [الزمر : 66] في هذا رد على المشركين ، ووجه الرد : ما يفيده التقديم من القصر .

وكن من الشاكرين لإنعامه عليك بما هداك إليه من التوحيد ، والدعاء إلى دينه .

وقال تعالى : ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار [غافر : 41-42] .

فيه : أن الشرك موجب لدخول النار ، وأن التوحيد موصل إلى النجاة .

وقال تعالى : ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون من دون الله [غافر : 73] ، وهي الأصنام ، والأوثان ، وغيرها .

قالوا ضلوا عنا ، أي : غابوا ، وفقدناهم ، فلا نراهم .

بل لم نكن ندعو من قبل شيئا .

ليس هذا إنكارا منهم لوجود الآلهة الباطلة التي كانوا يعبدونها ، بل اعتراف منهم بأن عبادتهم إياها كانت باطلة .

كذلك يضل الله الكافرين ؛ حيث عبدوا هذه الأصنام التي أوصلتهم إلى النار .

وقال تعالى : ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا [الفتح : 6] .

فيه بيان ما على أهل النفاق ، وأهل الشرك من سخط الله ، وعقابه ، ولعنه ، وطرده ، وإعداد النار لهم ، وسوء مصيرهم ، وأن ذلك مرتب على الإشراك . [ ص: 265 ]

وقال تعالى : قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا [الجن : 20-21] ؛ لأن الضار والنافع هو الله وحده لا شريك له .

ووقوع النكرتين في سياق النفي يعم كل ضرر ، وكل رشد في الدنيا والآخرة .

قل إني لن يجيرني من الله أحد ؛ أي : لا يدفع عني أحد عذابه إن أنزله بي .

كقول صالح -عليه السلام - : فمن ينصرني من الله إن عصيته [هود : 63] .

وهذا بيان الخبرة عن شؤون نفسه بعد بيان عجزه عن شؤون غيره .

ولن أجد من دونه ملتحدا [الجن : 22] ؛ أي : ملجأ ، ومعدلا ، وحرزا ألجأ إليه ، وأحترز به .

وفي هذه الآية دلالة واضحة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكر كونه نافعا ، وضارا لأحد ، وأنه كان لا مجير ، ولا ملتحد إلا الله وحده .

فما ظنك أيها الإنسان بغيره من الأولياء ، والمقبورين ؟

وقال تعالى : إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية [البينة : 6] .

المراد بالخلود : الدوام الأبدي الذي لا ينقطع ، دون المكث الطويل كما سبق إلى ذلك ذهن بعض السلف والخلف . وظاهر الآية العموم .

وفي الآية أيضا تنبيه على أن وعيد علماء السوء أعظم من وعيد كل أحد .

التالي السابق


الخدمات العلمية