الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال تعالى : قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين [الكافرون : 1-6] . هذه السورة مكية ، وقيل : مدنية .

وفي الحديث المرفوع : أنها تعدل ربع القرآن ، أخرجه الطبراني عن ابن عمر .

وورد أنها براءة من الشرك . أخرجه أحمد ، وأهل السنن ، عن نوفل بن معاوية مرفوعا . [ ص: 266 ]

عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلكم على كلمة تنجيكم من الإشراك بالله ؟ تقرؤون : قل يا أيها الكافرون عند منامكم أخرجه أبو يعلى ، والطبراني .

وفي الباب روايات .

وسبب نزول هذه السورة : أن الكفار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعبد آلهتهم سنة ، ويعبدوا إلهه سنة ، فأمره الله أن يقول لهم ذلك.

و «أل » للجنس ، والمعنى : لا أفعل في الحال ما تطلبون مني من عبادة ما تعبدون من الأصنام .

وقال ابن القيم : المقصود بقوله لا أعبد ما تعبدون : المعبود لا العبادة .

ومعنى ولا أنتم عابدون ما أعبد : ولا أنتم فاعلون في المستقبل ما أطلب منكم من عبادة إلهي .

قال ابن القيم في «بدائع الفوائد » : اشتمال هذه على النفي المحض ، خاصة هذه السورة العظيمة ؛ فإنها سورة براءة من الشرك كما جاء في وصفها .

فمقصودها الأعظم هو البراءة المطلقة بين الموحدين ، والمشركين ، ولهذا أتي بالنفي في الجانبين تحقيقا للبراءة المطلوبة ، هذا مع أنها متضمنة للإثبات صريحا .

فقوله : لا أعبد ما تعبدون براءة محضة ولا أنتم عابدون ما أعبد إثبات أن له معبودا يعبده ، وأنهم بريئون من عبادته .

فتضمنت النفي ، والإثبات ، فطابقت قول إمام الحنفاء : إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني [الزخرف : 26-27] .

وطابقت قول الفئة الموحدين : وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله [الكهف : 16] . [ ص: 267 ]

ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بها ، وبـ : قل هو الله أحد في سنة الفجر ، وسنة المغرب ؛ فإن هاتين السورتين سورتا الإخلاص .

وقد اشتملتا على نوعي التوحيد الذي لا نجاة لعبد ، ولا فلاح إلا بهما .

وهما : توحيد العلم ، والاعتقاد : المتضمن تنزيه الله عما لا يليق به من الشرك ، والكفر ، والولد ، والوالد ، وأنه إله واحد صمد ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد .

والثاني : توحيد القصد ، والإرادة : وهو ألا يعبد إلا إياه ، فلا يشرك به في عبادته سواه .

بل يكون وحده هو المعبود ، وهذه السورة مشتملة على هذا التوحيد .

انتهى .

قلت : وكما قد ختمت باب الآيات الدالة على التوحيد ، على سورة قل هو الله أحد ، وسورة «الناس » كما سبق هذا الباب المشتمل على الآيات الدالة على بيان الشرك ، وذمه ، قد ختمته على سورةقل يا أيها الكافرون .

فالحمد لله على تمام الأمر على إخلاص توحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهية ، ونفي الشرك بالله فيهما .

اللهم أحينا مسلمين ، وتوفنا مسلمين ، واحشرنا في زمرة الموحدين المتبعين . آمين .

والذي تحصل من هذه الآيات : هو أن الإيمان بأن العبادة حق الله تعالى على عباده ، واجب متحتم ، وفرض لازم ؛ لأنه منعم عليهم ، مجاز لهم بالإرادة .

التالي السابق


الخدمات العلمية