الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل في الإشراك في العرافة والكهانة والعيافة والطرق والطيرة

عن حفصة، قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من أتى عرافا»، وهو الذي يتعاطى معرفة مكان المسروق، ومكان الضالة، ونحوهما، «فسأله عن شيء، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة» رواه مسلم. والمراد: السؤال على وجه التصديق، بخلاف من سأله على وجه الاستهزاء والتكذيب.

قال بعض العلماء في معنى هذا الحديث: إن من يذهب إلى من يدعي إظهار الأمور الغيبية، وتعريفها للناس، ويسأله عن شيء منها، فقد بطلت صلاته إلى أربعين ليلة. [ ص: 136 ] لأنه فعل فعل الشرك، والشرك يحبط الأعمال الصالحة، ويضيع أجره وثوابه.

ويدخل في مفهوم هذا الحديث: كل من يصدق عليه مسمى هذا التعريف من أصحاب النجوم، والرمل، والجفر، والفال، ومخرج الأسماء من الكتب المعدة لذلك الضلال، وأهل الكشف، والاستخارة المدعين للتعريف والتعيين المخبرين بالأمور المغيبة، والمعرفين لها للناس.

قال في «فتح المجيد»: ظاهر الحديث: أن الوعيد مرتب على مجرد مجيئه إليه، وسؤاله عنه، سواء صدقه، أو شك في خبره. فإن في بعض روايات الصحيح: «من أتى عرافا، فسأله عن شيء، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة» وإذا كانت هذه حال السائل، فكيف بالمسؤول؟

قال النووي وغيره: معناه لا ثواب له فيها وإن كانت مجزئة بسقوط الفرض عنه، ولا بد من هذا التأويل في هذا الحديث؛ فإن العلماء متفقون على أنه لا يلزم من أتى العراف إعادة صلاة أربعين ليلة. انتهى حاصله.

وعن معاوية بن الحكم، قال: قلت: يا رسول الله! أمور كنا نصنعها في الجاهلية؛ كنا نأتي الكهان. قال: «فلا تأتوا الكهان». قال: قلت: كنا نتطير. قال: «ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه، فلا يصدكم». قال: قلت: ومنا رجال يخطون. قال: «كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه، فذاك» رواه مسلم.

وفي الحديث النهي عن إتيان الكاهن، والتطير، وتعاطي علم الرمل، وأن هذا كله من مواقع الشرك، ومظان الكفر.

وعن عائشة، قالت: سأل أناس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الكهان، فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنهم ليسوا بشيء». قالوا: يا رسول الله! فإنهم يحدثون أحيانا بالشيء يكون حقا؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «تلك الكلمة من الحق يخطفها [ ص: 137 ] الجني فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة، فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة» متفق عليه.

قال أهل اللغة: «القر» ترديدك الكلام في أذن المخاطب حتى يفهمه، وقر الدجاجة: صوتها إذا قطعته.

وفي رواية أخرى عنها، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الملائكة تنزل في العنان، وهو السحاب، فتذكر الأمر قضي في السماء، فتسترق الشياطين السمع، فتسمعه، فتوحيه إلى الكهان، فيكذبون معها مائة كذبة، من عند أنفسهم» رواه البخاري. فيه: أن الكهنة من أولياء الشيطان، وأنهم يزيدون على ما يسمعون منه.

وعن قطن بن قبيصة عن أبيه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «العيافة» هو زجر الطير، والتفاؤل بأسمائها، وأصواتها، وممرها «والطرق» هو الضرب بالحصى الذي يفعله النساء، وقيل: هو الخط في الرمل «والطيرة من الجبت»؟، وهو السحر والكهانة، وقيل: هو كل ما عبد من دون الله. والمعنى: أنها ناشئة من الشرك. رواه أبو داود.

قال بعض أهل العلم: هذه الأمور الثلاثة من أفعال الشرك ورسومه؛ بدليل هذا الحديث.

التالي السابق


الخدمات العلمية