الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الثامن عشر: ما يستفاد من تعريفه، فإن في ذلك زيادة إحاطة، وشمول.

فإن ذلك «الملك»، إذا كان في يوم هو «يوم الدين»، الذي يشتمل على كل دين، كان من كان له هذا الملك حقيقا بأن يخلص العباد توحيده، ويفردونه بالعبادة كما تفرد بملك يوم له هذا الشأن.

فإن قلت: هذان المعنيان الكائنان في لفظ: «الدين» باعتبار أصله، وباعتبار تعريفه قد أخذا في معنى الإضافي حسبما ذكرته سابقا.

قلت: لا تزاحم بين المقتضيات، ولا يستنكر النظر إلى الشيء باعتبار معناه الإفرادي تارة، وباعتبار معناه الإضافي أخرى.

وليس ذلك بممنوع، ولا محجور عند من يعرف العلم الذي يستفاد منه دقائق [ ص: 17 ] العربية، وأسرارها، وهم أهل علم المعاني، والبيان.

التاسع عشر، والموفي عشرين، والحادي والعشرون: قوله: إياك نعبد [الفاتحة: 5]، فإن تقديم الضمير معمولا للفعل الذي بعده قد صرح أئمة المعاني والبيان، وأئمة التفسير: أنه يفيد اختصاص العبادة به -سبحانه وتعالى-، ولا يشارك فيها غيره، ولا يستحقها، ومن اختص بالعبادة، فهو الحقيق بإخلاص توحيده، وقد تقرر أن الاستغاثة، والدعاء، والتعظيم، والذبح، والتقرب من أنواع العبادة.

ثم مادة هذا الفعل -أعني: لفظ: «نعبده» - تفيد معنى آخر.

ثم المجيء بنون الجماعة لكون هذا الكلام صادرا عن كل من تقوم به العبادة من العابدين كذلك.

فكانت الدلالات في هذه الجملة ثلاثا:

الأولى: في «إياك» مع النظر إلى الفعل الواقع بعده.

الثانية: ما تفيده مادة: «نعبد» مع ملاحظة كونها واقعة لمن ذلك الضمير عبارة عنه، وإشارة إليه.

الثالثة: ما تفيده النون مع ملاحظة الأمرين المذكورين، ولا تزاحم بين المقتضيات.

الثاني والعشرون، والثالث والعشرون، والرابع والعشرون: قوله: وإياك نستعين فإن تقديم الضمير هاهنا معمولا لهذا الفعل له معنى، وهو يقتضي: أنه لا يشاركه غيره في الاستعانة به في الأمور التي لا يقدر عليها غيره.

ثم مادة هذا الفعل لها معنى آخر.

فإن من كان لا يستعان بغيره، لا ينبغي أن يكون له شريك، بل يجب إفراده بالعبادة، وإخلاص توحيده؛ إذ وجود من لا يستعان به كعدمه.

وتقرير الكلام في الثلاث الدلالات كتقريره في إياك نعبد ، فلا نعيده. [ ص: 18 ]

وصيغ الحصر إذا تتبعتها من كتب المعاني والبيان، والتفسير، والأصول، بلغت ثلاث عشرة صيغة فصاعدا.

ومن شك في هذا، فليتتبع «كشاف الزمخشري»؛ فإنه سيجد فيه ما ليس له ذكر في كتب المعاني والبيان؛ كالقلب؛ فإنه جعله من مقتضيات الحصر.

ولعله ذكر ذلك عند تفسيره للطاغوت وغير ذلك مما لا يقتضي المقام بسطه.

ومع الإحاطة بصيغة الحصر المذكورة تكثر الأدلة الدالة على إخلاص التوحيد، وإبطال الشرك بجميع أقسامه.

التالي السابق


الخدمات العلمية