الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن ظاهر وهو معسر فأيسر أو دخل في الصوم وهو معسر ثم أيسر

                                                                                                                                                                                        من ظاهر وهو موسر فأعسر أو معسر فأيسر، أو صحيح فمرض أو مريض فصح لم ينظر إلى حاله يوم ظاهر، واختلف هل ينظر إلى حاله يوم العودة أو يوم يكفر؟ فالظاهر من قول مالك أن ينظر إلى حاله يوم يكفر، فإن كان اليوم الأول يوم العودة موسرا بالعتق ثم أعسر كان له في اليوم أن يصوم، وإن كان عاجزا عن الصوم ولا يقدر على العتق كان له أن يطعم.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في كتاب محمد: إن كان موسرا بالعتق فلم يعتق حتى أعسر فصام ثم أيسر فليعتق، وإن كان صام قال: ولم أسمعه. فرأى أن الكفارة على الفور فما كان مخاطبا به لو عجله لم ينتقل حكمه بتراخيه، وهذا يصح على أحد أقوال مالك إن الكفارة تلزمه بالعودة، وإن طلق أو مات، ويلزم ابن القاسم أن يقول: إذا كان معسرا فأيسر إن له أن يصوم إلا أن يحب أن يعتق ويأتي بما هو أفضل، وإن كان مريضا فصح وهو عاجز عن العتق إن له أن يطعم إلا أن يحب أن يصوم. [ ص: 2318 ]

                                                                                                                                                                                        وأحسن ذلك أن يقال: إنها على الوقف لا على الفور، ولا على التراخي، وأن تكون معلقة بالوقت الذي يريد فيه المسيس؛ لقول الله سبحانه: من قبل أن يتماسا [المجادلة: 3].

                                                                                                                                                                                        فإذا أحب المسيس كفر على أن يكون من حاله حينئذ أراد تعجيل الوطء أو تأخيره، ولو أصاب قبل الكفارة، وبعد أن نوى العودة وجب عليه أن يعجل الكفارة حينئذ، ولا يؤخرها؛ لأنها وجبت عليه قبل ذلك، ولو بساعة، فإن هو أخرها بعد ذلك حتى انتقل حاله كان مخاطبا الآن بما كان مخاطبا به وقت أحب المسيس، ولا يراعى ما انتقل إليه حاله مما هو أعلى في الكفارات أو أدنى، قال القاضي أبو الحسن بن القصار: الاعتبار عند مالك في الكفارة وقت الأداء، وللشافعي ثلاثة أقوال:

                                                                                                                                                                                        أحدها: أن العتق قد تقرر في ذمته؛ لأنه عاد وهو موسر فلا ينتقل إلى الصيام إذا أعسر، فإذا عاد وهو معسر فقد تقرر الصيام في ذمته، فإن أيسر لم يلزمه العتق، فإن أعتق أجزأه، وقول آخر مثل قولنا، وهو قول أبي حنيفة: يعتبر وقت التكفير، والقول الثالث: يعتبر أغلظ أحواله. [ ص: 2319 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية