الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في المرأة تدعي على الزوج أنه قذفها أو يدعي هو أنه وجد مضاجعا لها

                                                                                                                                                                                        ومن المدونة: قال ابن القاسم: إذا ادعت امرأة على زوجها أنه قذفها، ثم أنكر فأقامت عليه البينة حد، إلا أن يدعي رؤية فيلاعن؛ لأنه يقول: كنت أريد أن أكتم، فأما إذا قامت البينة فأنا ألتعن.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه -: إذا قذف زوجته ثم جحدها ثم أقامت عليه البينة، فإنه لا يخلو أن يكون قذفها بأن قال: يا زانية، أو قال: رأيتك تزني، ثم جحد القول، فقال: ما قلت ذلك، أو جحد الرؤية، فإن قال: يا زانية، ثم جحد، فلما قامت عليه البينة قال: رأيتها تزني، كان له أن يلتعن، وعلى هذا تكلم ابن القاسم، ولا يختلف في ذلك؛ لأنه لم يتقدم منه ذكر رؤية، ولكن جحوده للرؤية، والذي رجع إليه غير ما كان فيه الجحود والمنازعة، وإن قال: رأيتك تزني، ثم جحد القول، وقال: ما قلت ذلك، فلما أثبتت عليه البينة قال: قلت، وكنت رأيتك تزني، كان له أن يلتعن؛ لأن جحوده للقول ليس بجحوده بالرؤية، وهو يقول: أردت سترا، وإن جحد أن يكون رآها، وكان قد قال لها: رأيتك تزني، ثم قامت البينة -لم يصح أن يلاعن على المشهور من المذهب؛ لأنه قد أكذب نفسه.

                                                                                                                                                                                        وفي كتاب محمد فيمن قذف امرأتيه، فقامت عليه إحداهما، فكذب نفسه، [ ص: 2469 ] فجلد الحد، ثم قامت الأخرى، قال: لا حد عليه؛ لأن ذلك الضرب يجمع كل من قذف قبل ذلك، قال: وإن قال لها بعد أن ضرب: قد صدقت عليك أو على صاحبتك، كان عليه الحد إلا أن يلاعن، وسواء فيمن قال ذلك لها منهما، وهذا قول ابن القاسم، وقال عبد الملك يحد في الأولى ولا لعان عليه؛ لأنه قذف ثان، وقد أكذب نفسه فيه، قال محمد: ولو قال للثانية: أما أنت فصدقت، وأما صاحبتك فكذبت، لاعن للثانية.

                                                                                                                                                                                        فقول ابن القاسم في الأولى إنه يلاعن إذا رجع بعد أن كذب نفسه، فقال: صدقت -خلاف المعروف من قوله، وخلاف الأصول.

                                                                                                                                                                                        قال محمد: وإذا قال بعد أن لاعنها: والله ما كذبت عليها أو قذفها بالزنى، قال محمد: ما سمعت فيها من أصحاب مالك، ولا نرى عليه شيئا؛ لأنه لاعنها بقذفه إياها. وقال ربيعة: يحد؛ لأنه قذفها، وليست له بزوجة.

                                                                                                                                                                                        ومن المدونة قال ابن القاسم: إذا قال: وجدت مع امرأتي رجلا في لحافها أو مضاجعا لها أو تجردت له، يؤدب ولا يحد. [ ص: 2470 ]

                                                                                                                                                                                        قال محمد: ولو كان ذلك منه في أجنبية، كان عليه الحد، إلا في القبلة وحدها. فإن ذلك من التعريض الذي يراد به القذف، قال: وقد روي لنا عن ابن القاسم وأشهب أنهما قالا: من عرض لامرأته بالزنا فهي مثل غيرها، يجب عليه الحد ولا يلاعن.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما إذا أتى إلى القاضي شاكيا أو ذكر ذلك لجيرانه، ولم يكن على وجه المشاتمة لم يحد.

                                                                                                                                                                                        واختلف في عقوبته؛ لأن محمل قول الزوج إذا لم يكن في مشاتمة محمل الشهادة.

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف في الشاهد الذي قال: رأيته بين فخذيها، قال ابن القاسم: يعاقب. وهو مثل قوله ها هنا في الزوج أنه يؤدب، وقال غيره: لا يعاقب الشاهد، وعلى قوله لا يؤدب الزوج.

                                                                                                                                                                                        وهو أحسن إذا كان ذلك في غير مشاتمة، وإن كان ذلك على سبيل المشاتمة حسن أن يقال: يحد، إلا أن يدعي رؤية، وأن يقال: لا يحد، لإمكان أن يكون ظهر على ذلك وأراد سترا، فأرى أن يحد إذا كانت الزوجة معروفة بالدين والصيانة، وألا يكون عليه شيء إذا كانت ممن يظن بها ذلك لا حد ولا عقوبة.

                                                                                                                                                                                        قال محمد فيمن ادعى على امرأته أنها أقرت عنده أنها زنت: أنه لا يحد ولا يلاعن. وإذا قال الزوج: رأيتها تزني قبل نكاحي إياها، حد ولم يلاعن. [ ص: 2471 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية