الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الوصية بالحج

                                                                                                                                                                                        ومن أوصى أن يحج عنه ، أنفذت وصيته ، فإن لم يعين من يحج عنه استؤجر حر بالغ غير صرورة ، وإن استؤجر صرورة أجزأ .

                                                                                                                                                                                        واختلف في العبد ، والصبي بالجواز والمنع ، واختلف بعد القول بالمنع هل يجزئ؟

                                                                                                                                                                                        فقال ابن الجلال : ذلك جائز ، ومنعه ابن القاسم ، فإن فعل لم يجز في الصبي ، وأجزأ في العبد إذا كان يظنه حرا واجتهد . يريد : ويستأجر حرا من بقية الثلث . وقال غيره : الوصي ضامن ، وإن جهل أنه عبد ، ويجري فيه قول آخر : ألا شيء عليه . وإن كان عالما أنه عبد ، وجاهلا بوجه العلم كما قال في أحد الشريكين : يشتري شراء فاسدا . قال : لا شيء عليه ، وليس كل الناس فقهاء ، فهو في العبد أبين ألا شيء على الوصي للاختلاف في جواز استئجاره ابتداء ، وأرى أن يجزي; لأن العبد ممن يصح منه التقرب بهذه العبادة ، وإن لم تفرض عليه ، وإذا صح منه التقرب بها ، صح أداؤها عن غيره ، وإن كان الموصي غير صرورة ، أو صبيا ، كان أبين في الجواز ، وإن قال الميت : يحج عني فلان ، لم يعدل عنه إلى غيره إن رضي ، وإن لم يرض ، وكان الموصي صرورة ، [ ص: 3658 ] دفعت إلى غيره; لأن قصد الميت بالوصية رجاء أن تبرأ ذمته بذلك وفي الحديث قال ابن عباس : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله إن أمي ماتت ، وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ قال : ولو كان عليها دين أكنت قاضيه عنها؟ قال : نعم . قال : فدين الله أحق أن يقضى" فجعل فعل الحي عن الميت قضاء .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كان غير صرورة ، ولم يرض الموصى إليه بالحج . فقال ابن القاسم : يرجع المال ميراثا ، وقال غيره : يدفع لغيره . قال : وليس مثل الصدقة على مسكين بعينه ، ولا العبد بعينه يقول : اشتروه فأعتقوه وهو أحسن; لأن الميت إنما وصى بأن تشترى منه منافعه ، فإن لم يبعها صرف ذلك البر في غيره وإن عين الموصي عبدا أو صبيا أنفذت الوصية إليه كان الموصي صرورة أو ممن قد حج فإن لم يرض سيد العبد [ ص: 3659 ] كان المال ميراثا على قول ابن القاسم ، وصرف لغيره على القول الآخر ، وإن لم يرض ولي الصبي ، وقف المال حتى يبلغ الصبي ، فإن بلغ ، ولم يرض رجع المال ميراثا على قول ابن القاسم . وعلى القول الآخر : يدفع إلى غيره يحج به ، ومن المدونة قال ابن القاسم فيمن وصى ، وقال : أحجوا فلانا حجة ، ولم يقل : عني قال : يعطى من الثلث قدر ما يحج به ، فإن أخذ المال ، ولم يحج به رد منه .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ : أما إن لم يقل عني ، فإنه يعطى ما يقوم به لحجه لكراء ركوبه ، وزاده وثياب سفره ، وغير ذلك من آلة السفر ، وكراء سكناه بمكة أيام مقامه حتى يحج ، والنفقة في ذلك على ما يعتاده مثله ، فإن انقضت أيام الرمي ، سقطت نفقته عن الموصي ، إلا أن تكون العادة في مثل هذا أن ينفق عليه حتى يعود إلى أهله ، وإن قال : يحج عني ، كان الأمر فيما يحج به على قدر المراضاة ، فإن رضي يرخص ، وهو لا يقوم به ، جاز وإن لم يرض إلا بأكثر من إجارة مثله ، زيد ما بينه وبين ثلث إجارة مثله ، فإن لم يرض استؤجر [ ص: 3660 ] غيره إن كان صرورة ، ولو كان الموصي أوصى بأن يحج وارث ، فإن قال : أحجوا فلانا ، لم يعط شيئا; لأنها وصية لوارث وإن قال : عني أنفذت ، وأعطى إجارة مثله ، ولم يزد ثلث الإجارة كما يزاد الأجنبي .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في المدونة : يعطى نفقته وكراؤه . وهذا أحسن إذا رضي أن يأخذ النفقة والكراء ذاهبا وراجعا ; لأن خروجه للميت وعنه ، وإن أبى إلا بإجارة المثل ، كان ذلك; لأن ثمن المنافع في ذلك كثمن الرقاب ، وهو يأخذ قيمة منافعه ، وإن قال : يحج عني بثلثي ، دفع إليه قدر نفقته ، وكرائه ، ورد الزائد ما لم يدع إلى إجارة المثل فإن ذلك له . [ ص: 3661 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية