الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في الصلح الجائز والحرام والمكروه]

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في من ادعى على رجل بمائة دينار فأنكر فصالحه على خمسين إلى أجل: جاز. وقال في "العتبية": لا خير فيه، وهو سلف جر منفعة.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك فيمن أقام شاهدا بعشرة دنانير، فقال للمدعى عليه اطرح عني اليمين وأؤخرك بها سنة: ليس بحسن. قال: أرأيت إن قال: أعطيك عرضا؟!

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رحمه الله-: التأخير في الحقيقة سلف جر منفعة، والمنفعة إسقاط [ ص: 4679 ] اليمين، إلا أنه إنما انتفع بأن دفع عن نفسه ظلما; لأن المدعي يقول: دعواي حق، وقد كان عليه أن يعجل الدفع الآن فظلمني بالمطالبة باليمين فافتديت بالصبر من اليمين بحقي، فإنما انتفع بأن رفع ظلما، وذلك جائز.

                                                                                                                                                                                        واختلف في الصلح الحرام والمكروه إذا نزل هل يفسخ أو يمضي؟ فقال مطرف في "كتاب ابن حبيب": إذا كان الصلح حراما صراحا فسخ أبدا ويرد إن كان قائما أو القيمة إن كان فائتا، وإن كان من الأشياء المكروهة كان ماضيا. وقال ابن الماجشون: إن كان حراما فسخ أبدا، وإن كان مكروها فسخ إذا كان بحدثان وقوعه، فإن طال أمره مضى. وقال أصبغ: يجوز حرامه ومكروهه وإن كان بحدثان وقوعه; لأنه لو صالح عن دعوى على شقص لم تكن فيه شفعة، وهذا في الحكم، وأما فيما بينه وبين الله تعالى فلا يجوز أن يأخذ إلا ما يجوز في التبايع. قال: أوتي علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بكتاب صلح فقرأه، ثم قال: هذا حرام ولولا أنه صلح لفسخته.

                                                                                                                                                                                        وأرى إذا قال المدعي: لي عليك عشرة أقفزة قمحا، وقال الآخر: هي [ ص: 4680 ] شعير، فاصطلحا على ثمر أو دنانير إلى أجل، أن يفسخ أبدا لأنهما متقارران على أن الصلح انعقد على فساد. وكذلك إذا قال المدعي: عشرة دنانير عتق. وقال الآخر: هاشمية. أو قال المدعي: عشرة هاشمية. وقال الآخر: دراهم، فاصطلحا على خمسة عتق، فإن ذلك يفسخ أبدا; لأن الصلح فاسد على قول كل واحد منهما بانفراده، فيرجعان إلى الدعوى.

                                                                                                                                                                                        وإن قال المدعي: لي عشرة أقفزة قمحا، وقال المدعى عليه: ليس لك عندي شيء، فاصطلحا على ثمر إلى أجل أو دراهم إلى أجل، أن يمضي الصلح. وعلى هذا محمل قول أصبغ، ولا يفسخ; لأن المدعى عليه يقول: إنما اشتريت يميني بما أعطيتك إلى أجل، وليس لك قبلي شيء. فكيف يفسخ على دعوى من لم يعترف له بشيء؟ وفي ذلك ظلم عليه، فإذا حل الأجل أخذ ذلك من المدعى عليه فاشترى به للطالب الصنف الذي ادعاه، فإن لم يوف لم يكن له غيره، وإن فضل شيء يرد للمدعى عليه.

                                                                                                                                                                                        وكذلك إن ادعى زيتا فصالحه على زيتون إلى أجل، لم يفسخ، فإذا حل الأجل، قبض الزيتون وعصر، فإن وفى وإلا كان النقص ظلما على الطالب، [ ص: 4681 ] وإن فضل شيء رد إلى المطلوب.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم فيمن ادعى حقا فصالح على ثوب على أن يصبغه، أو على عبد يكون فيه بالخيار ثلاثة أيام: إنه فاسد. وعلى القول الآخر: يمضي ولا يرد.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية