الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في حبس من عليه دين]

                                                                                                                                                                                        ويحبس النساء في الدين وغيره بموضع لا يكون فيه رجل ، والأمين [ ص: 5551 ] عليهن امرأة مأمونة لا زوج لها أو لها زوج مأمون معروف بالخير، ويحبس الولد في دين الأبوين، ويفترق الجواب في حبس الأب. فقال ابن القاسم: لا يحبس الأب في دين الولد ، وقال محمد بن عبد الحكم: يحبس إذا امتنع من النفقة على ولده الصغير؛ لأن ذلك يضر بهم، وليس كدين الولد على أبويه ، وقال أيضا: يحبس الأب إذا كان في يده مال للولد، يريد: إذا لد عن تسليمه إلا أن يكون المال عينا، وله مال ظاهر يقدر على الأخذ منه، فيؤخذ ولا يحبس، وإذا ادعى الفقر كلف إثبات ذلك من غير حبس بخلاف الأجنبي، ويسأل عنه فإن علم أنه على اللدد، والمال له قدر، ولم يوجد له مال ظاهر يقضي به دينه حبس حتى يقضي وإن أشكل أمر يسره أو كان الذي يطلب يسيرا وله قدر وهو حقير في كسب هذا الابن لم يحبس، وهذا الجواب في حبسه.

                                                                                                                                                                                        واختلف في تحليفه له وفي حده إذا قذفه وفي القصاص منه إن قطعه أو قتله، فقال مالك في المدونة: لا يحلف الابن الأب ، وفي كتاب محمد يحلفه وهو بذلك عاق وترد شهادته . وقال ابن الماجشون في ثمانية أبي زيد: ليس بعقوق ولا ترد شهادته. [ ص: 5552 ]

                                                                                                                                                                                        وأرى إذا كانت الدعوى من ناحية التهمة، اتهمه أن يكون أخذ له شيئا، أو كتمه بعض ما ورثه عن أمه ألا يحلف إلا أن تكون التهمة قوية ظاهرة في شيء له قدر وبألا يضر بالولد إمساكه عنده فيحلف، وإن ادعى أنه جحده ما داينه له وله قدر أحلفه، وإن كان يسيرا لم يحلفه فإن اجترأ وحلفه كان بذلك عاقا ساقط الشهادة؛ لأن تحامله على تحليف أبيه في مثل ذلك القدر دليل على سقوط مروءته إلا أن يكون الأب من أهل الدين والفضل، ويتهم الابن أن يكون أراد أذاه لشنآن وقع بينهما أو لأن الأب امتنع من أن يعطيه أو يهبه فلا يحلف، وقال ابن القاسم: إذا قذف الأب ولده حد له وعفوه عنه جائز، وإن بلغ الإمام، ويقتص منه إن قطعه أو قتله ، وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: يحد إن قذفه ، ويقتص منه إن جرحه أو قتله، ولا يقتل بمن قتل إذا كان ولي الدم ابنه وهو أبين، وأراه عظيما أن يحده أو يقطع منه عضوا أو يقتله، وقتل من قتله من ثلاثة أوجه:

                                                                                                                                                                                        أحدها: أن يقتل الأب ولده، والقائم بالدم أخو المقتول.

                                                                                                                                                                                        والثاني: أن يكون القائم بالدم عم المقتول، أو ابن عمه.

                                                                                                                                                                                        والثالث: أن يكون المقتول ليس بولد القاتل، والقائم بالدم ابن القاتل، وكل هذا، فلا أرى أن يكون على الأب فيه قصاص، وأشدها في المنع أن يقوم [ ص: 5553 ] الابن على أبيه بقتل عمه، أو ابن عمه، ثم قيامه ليقتله في أخيه، وأقربها في القصاص أن يقتل الأب ولده، ويقوم بالقصاص العم أو ابن العم؛ لأن القائم بالدم يقول: ليس بيني وبين القاتل حرمة تمنع القصاص، والأب يقول: أنت تقوم بالقصاص عمن بيني وبينه حرمة، وأشكل من ذلك أن يقوم بالقصاص ابن أخي القاتل، فيريد أن يقتص من عمه، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "العم صنو الأب" ، فالحرمة بين القاتل والمقتول؛ لأنه ولده، وبينه وبين القائم بالدم؛ لأنه معه كالأب.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في كتاب الديات: إذا قال المقتول دمي عند أبي يقسم مع قوله ويستحق الدية في الخطأ على العاقلة وفي العمد من ماله ولم يجعل فيه قصاصا من غير مراعاة للقائم بالدم، هل هو ولد أو عم أو ابن عم، وقال أيضا: إذا قتل ولده وكان ولي الدم الولد لم يقتص منه .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية