الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        وقال في كتاب الرضاع: إذا زنى بميتة حد ، وقال ابن شعبان: لا يحد .

                                                                                                                                                                                        والأول أحسن; لأنه زنا بآدمية محرمة الوطء يجد منها اللذة، ولا خلاف أنه لا صداق لها، وإن زنا بنائمة حد وكان لها الصداق. وقال ابن القاسم لا حد على من أتى بهيمة ، وفي كتاب ابن شعبان: عليه الحد.

                                                                                                                                                                                        والأول أحسن; لأن القرآن إنما نزل في الآدميات، ولا يقاس عليهن إلا ما كان في معناهن أو أعلى رتبة. وقال مالك وابن القاسم في النصراني يزني : لا حد عليه، ويرد إلى أهل دينه . ويعاقب على ذلك إذا أعلنه. وقال المغيرة في المبسوط: يحد حد البكر بكرا كان أو ثيبا.

                                                                                                                                                                                        وقول مالك أحسن، وإنما تقام الحدود في فروع الإسلام لمن تقدم منه الإسلام، وإذا كان لم يقم عليه حكم الكفر ولم يلزم بالإسلام- لم تقم عليه فروعه، وإنما كان حكمه - صلى الله عليه وسلم - بين اليهوديين بما في التوراة ليس [ ص: 6163 ] بكتابنا ; لأنهما رضيا بذلك وحكماه في أنفسهما ، إلا ما كان بابه الذب عن المسلمين كالحرابة والسرقة وما أشبه ذلك.

                                                                                                                                                                                        فأما الزنى وشرب الخمر فإنه يتعلق بحق الله سبحانه، فلم يؤاخذوا به، لقول الله -عز وجل-: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب . . . ثم قال: حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون [التوبة: 29] فأباح أخذ الجزية، وأن يبقوا على ما هم عليه، أنهم لا يحرمون ما حرم الله ورسوله، والزنى منه، ولو ألزم الحد في الزنى لألزم الصلاة والزكاة، وفي الإجماع على سقوط ذلك عنهم دليل على فساد القول بحدهم.

                                                                                                                                                                                        وإن استكرهت امرأة على الزنى لم تحد، وإن كانت هي التي استكرهت رجلا على نفسها حدت، واختلف في حده . وإن استكرها جميعا لم تحد هي، واختلف في حده وقد احتج من أوجب حده بأن قال: إن الإكراه لا يصح; لأنه لا ينعظ ويصيب إلا وهو مريد ، وهذا غير صحيح، وقد يريد [ ص: 6164 ] الرجل شرب الخمر ويعف عنها خوفا من الله سبحانه، ولا يفعل ذلك ، فإذا أكره على شربها متلذذا بها فليس ذلك مما يرفع حكم الإكراه ويهوى المرأة وتمكنه المرأة منها ولا يفعل ذلك خشية من الله تعالى فإذا أكره فعل ذلك لأجل الإكراه، فإن كان في الإكراه لا يجوز له ذلك ابتداء; لأن الإكراه يتعلق به حق الله سبحانه وحق المرأة، فهو يمنع من ذلك لحق المرأة، فإن قال المكره: إن لم تفعل وإلا قتلتك رضي بقتله ولم يفعل ، فإن هو فعل كان آثما في حقها، ولها الصداق، ولا يحد; لأنه في حق الله -عز وجل- مكره، ولو استكرهته هي فإن لم يفعل قتلته جاز ذلك له; لأنها إذا أباحت نفسها وانفرد الإكراه لحق الله سبحانه، فجاز له فعل ذلك على الأصل في الإكراه على ما كان من حقوق الله [ ص: 6165 ] سبحانه ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "رفع عن أمتي خطؤها ونسيانها وما استكرهوا عليه" .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كان أعجميا أو حديث عهد بالإسلام ولا يعرف تحريم الزنى، فقال في كتاب محمد : يحد. وقال أصبغ: لا حد عليه .

                                                                                                                                                                                        والأول أشهر، والثاني أقيس; لأن الحدود إنما تقام على من قصد مخالفة النهي، وهي عقوبة للمخالفة .

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف فيمن أسلم بأرض الحرب، ثم خرج إلى أرض الإسلام، فقال سحنون: لا قضاء عليه فيما ترك من الصلاة قبل خروجه إذا كان غير عالم بفرض الصلاة . [ ص: 6166 ]

                                                                                                                                                                                        وإذا سقط عنه الخطاب بالصلاة سقط عنه الخطاب بموجب الزنى.

                                                                                                                                                                                        وإذا زنى صبي بامرأة بالغ لم يحدا وعوقبا، فإن زنا بالغ بصبية لم تبلغ حد الرجل وعوقبت الصبية .

                                                                                                                                                                                        وإن زنى مجنون بعاقلة أو عاقل بمجنونة، حد العاقل منهما، وعوقب المجنون إذا لم يكن مطبقا، وكان في حالة يرده الزجر والأدب، وإن زنى مسلم بنصرانية أو نصراني بمسلمة حد المسلم منهما.

                                                                                                                                                                                        واختلف في الرجل النصراني على ثلاثة أقوال:

                                                                                                                                                                                        فقيل: يعاقب. وقيل: يحد. وقال ربيعة: ذلك نقض للعهد . وقد مضى ذلك في كتاب النكاح الثالث .

                                                                                                                                                                                        وإن زنى مسلم بحربية في أرض الإسلام، حد. [ ص: 6167 ]

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا زنى بها في أرض الحرب، فقال ابن القاسم: يحد . وقال عبد الملك بن الماجشون في كتاب محمد: لا حد عليه.

                                                                                                                                                                                        وهو أقيس; لأن له أن يأخذ الرقبة ويتملكها وينتفع بذلك منها، فإن لم يقدر إلا على أخذ تلك المنافع منها أخذها.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا زنى بجارية من المغنم هل يحد أم لا؟ وذلك راجع إلى هل هي مملوكة بنفس الغنيمة، فيكون له فيها شرك، أم لا؟ وقد تقدم ذكر ذلك في كتاب العتق الثاني .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية