الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في صفة الرجم

                                                                                                                                                                                        ويرجم الثيب بالحجارة، قال محمد: ترجم بالحجارة التي ترمى بمثلها، وأما الصخور العظام فلا يستطاع الرمي بتلك .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه -: ولا يرمى بالصخور وإن كانت مما يستطاع الرمي بها; لأنها تشوه به ، وإنما الرمي بالحجارة، ولا تكون صغارا مما تؤدي للعذاب ولا تجمر، ولا يختص الظهر بالرجم، ويختص به المواضع التي هي مقاتل : الظهر وغيره، ومن السرة إلى ما فوق، ويجتنب الوجه، ولا يضرب في رجليه إذا لم يحفر له ولا في ساقيه ولا يديه; لأن ذلك تعذيب، وليس ذلك بمقتل، ويجرد أعلى الرجل، ولا تجرد المرأة.

                                                                                                                                                                                        واختلف في الحفر، فقال مالك في المدونة: لا يحفر له، واستشهد بالحديث: فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة، فلو كان في حفرة ما حنى عليها . قال: ولا يربط . [ ص: 6181 ]

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في كتاب محمد: لا يحفر للمرجوم ولا للمرجومة . وقال أشهب: وإن حفر له فأحب إلي أن تخلى يداه، وإن لم يحفر له لم أر به بأسا، قال: والأحسن عندي ألا يحفر له . فرأى ذلك واسعا واستحب ألا يحفر. وقال ابن وهب: يفعل الإمام من ذلك ما أحب. وقال أصبغ في كتاب ابن مزين: أستحب الحفر وترسل يداه يتقي بهما عن وجهه.

                                                                                                                                                                                        وكذلك اللص والمحارب إذا صلب حيا ليطعن ترسل يداه، وقال ابن شعبان قال بعض أصحابنا: لا يحفر للمقر; لأنه إن هرب ترك، ويحفر للمشهود عليه; لأنه إن هرب لم يترك.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه -: قول ابن وهب في ذلك حسن; أن للإمام أن يفعل من ذلك ما أحب، لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رجم ماعزا ولم يحفر له وحفر للغامدية وكانت اعترفت بالزنى، فأخرج مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بها فحفر لها إلى صدرها ثم رجمت . وفي حديث آخر أنه شكت عليها ثيابها .

                                                                                                                                                                                        يريد: ستر ما ظهر عن الحفرة. وقيل لابن القاسم: هل يبدأ الإمام بالرجم [ ص: 6182 ] إذا كان إقرار أو حمل، أو إذا كانت بينة فبالشهود؟ فقال: الرجم حد مثل القتل والقطع- يأمر بذلك الإمام .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رحمه الله-: لو فعل ذلك، وقدم إلى البينة أنهم يبتدئون بالرجم وبإراقة دمه لكان حسنا; لأن ذلك يؤدي إلى التثبت في الشهادة، وأدائها على حقيقتها.

                                                                                                                                                                                        وأما الإقرار فإنما يحتاج فيه إلى أن يبدأ الإمام على مذهب عبد الملك وسحنون، أنه إذا اعترف عند الحاكم ثم رجع عن إقراره أنه يأخذه بعلمه. وأما على قول مالك وابن القاسم فلا; لأنه إن كان متماديا على إقراره لم يحتج إلى بداءة الإمام، فإن رجع لم يؤخذ إلا بالبينة أنه كان أقر بشهادة اثنين أو أربعة على الاختلاف في ذلك، وإذا عاد الأمر إلى الشهادة استحب بداءة البينة، وتصح بداءة الإمام في الحمل; لأنها مسألة اختلاف: إذا ادعت أن ذلك كان بوجه شبهة فلم تصدق، فيبتدئ الإمام الذي يقلد ألا تصدق ، ولم يخف في اجتهاده ذلك، وكل هذا استحباب.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في الإمام يدعو إنسانا إلى الرجم أو القطع: إنه إذا كان الإمام عدلا فليقطعه ، ولا يكشف عن صحة ذلك، قال: ألا ترى أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وعمر بن عبد العزيز لو قالا اقطع يد هذا فإنا قضينا عليه [ ص: 6183 ] بالسرقة لكان يسعه أن يفعل، وإن كان الإمام غير عدل لم يقطعه إلا أن يتضح له أنه حكم بحق .

                                                                                                                                                                                        ومن المدونة قال ابن القاسم فيمن قذف رجلا فأراد أن يقيم عليه البينة بذلك، فمات المقذوف قبل أن يقيم البينة: إن لورثته أن يقيموا عليه البينة، ويضرب الحد .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه -: إذا كان القيام على القاذف بقرب قذفه أقيم عليه الحد، سواء قام بذلك المقذوف أو ورثته ولا يمين على واحد منهم في ذلك، وكذلك إذا أشهد المقذوف أنه على حقه في ذلك ليقوم به متى أحب، كان له ولورثته القيام في ذلك وإن طالت المدة، ولا يمين في ذلك على واحد منهم، فإن طالت المدة ولم يتقدم إشهاد، افترق الجواب، فيكون للمقذوف نفسه القيام بعد يمينه أنه لم يسكت تلك المدة على الترك، وأن ذلك كان منه على أن يقوم إن أحب، ولا قيام لورثته، وهم في ذلك بخلاف ديون ميتهم; لأن شأن الديون ألا تترك، والأعراض كثير من الناس لا يطلبها، ولا يستحسن ذكرها، ولا يحب أن يتحدث عنه أنه شتم، فإذا لم يذكر ذلك حتى مات حمل فيه على العادة الجارية من كثير من الناس. [ ص: 6184 ]

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب: لورثته أن يقوموا وإن طالت المدة ، وهذا يصح على القول إن ذلك حق لله سبحانه فلا يسقط بطول المدة.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك فيمن قال لرجل: يا ابن الزانية، وفي أمهاته من جداته من قبل أمه امرأة زنت، وقال: إنما أردت جدتك التي زنت، قال: إن كان ذلك أمرا معروفا أحلف ما أراد غيرها، ولا حد عليه، وعليه العقوبة .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه -: وكذلك لو كانت الجدة من قبل أبيه لقبل قوله أنه أرادها. ومثله لو قال: يا ابن الزاني، وفي أجداده من غير أبيه أو أمه من قد زنى، وقال: ذلك أردت، أو قال: يا أبا الزاني، وفي ولد ولده أو ولد ابنته من قد زنى، وقال: ذلك أردت، لقبل قوله في ذلك كله، إذا حلف أنه ما أراد إلا ذلك; لأن كل ذلك أمومة وأبوة وبنوة، وكل مما يقع به التعيير. [ ص: 6185 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية