الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في شروط حد القاذف]

                                                                                                                                                                                        ويقام الحد على القاذف بتسع خصال: وهو أن يكون بالغا عاقلا، والمقذوف: بالغا، عاقلا، حرا، مسلما، عفيفا عن الفاحشة التي قذف بها، رمي بزنا أو لواط.

                                                                                                                                                                                        واثنان لا حد عليهما إذا قذفا: الصبي والمجنون في حال جنونه.

                                                                                                                                                                                        وتسع لا حد على قاذفهم: الصبي والمجنون والعبد والكافر والمرتد والزاني والحصور الذي ليس معه آلة النساء والمجبوب والصبية إذا كانت في سن من لا تطيق الرجل.

                                                                                                                                                                                        فأما الصبي فلا حد عليه إن قذف، ولا له إن قذف، ويسقط عنه الحد، لقول النبي في: "رفع القلم عن ثلاث. . ." الحديث .

                                                                                                                                                                                        وسقط عن قاذفه; لأن الحد يدفع المعرة التي تدرك المقذوف بما رمي به، ولا معرة على من كان غير بالغ في ذلك.

                                                                                                                                                                                        والحكم في الصبية إذا قذفت- حكم الصبي، ويفترق الجواب فيها إذا قذفت، فإن كانت في سن من لا يجامع- لم يحد قاذفها; لأنه مما يقطع بكذبه، [ ص: 6237 ] فلم يلحق بقوله ذلك معرة.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كانت في سن من تجامع، فقال مالك وغيره من أصحابه: يحد لها . وقال محمد بن الجهم ومحمد بن عبد الحكم: لا حد عليه.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ: والقول الأول أحسن; لأن ذلك -لو ثبت أنها فعلته- مما يدركها منه معرة، وليس يستخف وجود ذلك من الصبية كوجوده من الصبيان وسقط الحد عمن قذف في حال جنونه، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "رفع القلم عن ثلاث. . ." الحديث .

                                                                                                                                                                                        ويفترق الجواب إذا قذف، فإن كان جنونه من حين بلوغه إلى حين قذفه، ولا يتخلل ذلك إفاقة- لم يحد له; لأنه لا معرة عليه لو صح فعل ذلك منه .

                                                                                                                                                                                        وإن بلغ صحيحا، ثم جن أو كان جنونه مرة، ومرة يفيق - حد قاذفه، وعلى هذا الوجه يحمل قوله في المدونة .

                                                                                                                                                                                        وكذلك المجبوب إذا كان جبابه قبل بلوغه لم يحد; لأنه مما يعلم كذب قاذفه، فلم يتعلق به معرة، وإن كان جبابه بعد بلوغه حد.

                                                                                                                                                                                        وسقط عن قاذف الحصور; لأنه مما لا معرة على المقذوف إذا كان مما يقطع بكذبه. [ ص: 6238 ]

                                                                                                                                                                                        ولا يسقط عن قاذف العنين وإن كان ممن لا ينتشر; لأن عجزه مما لا يقطع به، وقد يقع في النفوس صدق قاذفه ومثل هذا تلحق به المعرة.

                                                                                                                                                                                        ويسقط عن قاذف العبد والنصراني والمرتد والزاني، لقوله سبحانه: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين الآية [سورة النور آية: 4]. وجميع هؤلاء غير محصن; لأن الإحصان عن أربعة: الإسلام والحرية والعفاف والزوجية، فوجب حمل الآية على جميع أنواع الإحصان، إلا ما أجمع عليه أنه غير مراد بالآية، وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من قذف مملوكه، وهو بريء مما قال، جلد يوم القيامة" . ولم يجعل عليه في الدنيا شيئا، وقال عبادة بن الصامت: بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذه الآية: يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا الآية [سورة الممتحنة آية: 12] ، ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: "فمن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن ستره الله عليه، كان أمره إلى الله، إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه" . فلو كان قاذف العبد يجلد في الدنيا لم يجلد في الآخرة. [ ص: 6239 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية