الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        واختلف في ليلة القدر هل تتعين بليلة؟ واختلف بعد القول أنها لا تتعين، هل تختص بالعشر الأواخر من رمضان، أو بالشهر كله أو لا تختص برمضان، ويصح أن تكون في ليلة من سائر السنة؟ فذهب ابن مسعود إلى أنه يصح أن تكون في غير رمضان، وقال: من يقم الحول يصب ليلة القدر، وقال أبي بن كعب: "قد علم أنها في رمضان، وأنها في العشر الأواخر منه، وإنما أراد بذلك لئلا يتكل الناس". وقال أبو سعيد الخدري: "اعتكف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العشر [ ص: 851 ] الأول من رمضان ثم اعتكف العشر الأوسط، ثم أطلع رأسه فكلم الناس فدنوا منه، فقال: إني اعتكفت العشر الأول ألتمس هذه الليلة، ثم اعتكفت العشر الأوسط، ثم أنبئت فقيل لي: إنها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف". أخرج هذين الحديثين مسلم.

                                                                                                                                                                                        واختلف الذين قالوا: إنها تتعين على أربعة أقوال: فقال أبو سعيد الخدري: إنها ليلة إحدى وعشرين; لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وقد رأيتني أسجد في صبيحتها في ماء وطين". قال: فرأيت أثر الماء والطين على جبهته وأنفه ليلة إحدى وعشرين.

                                                                                                                                                                                        قال ابن سلام: وهو قول الشافعي، وأهل المدينة يقولون: إنها ليلة ثلاث وعشرين. وفي كتاب مسلم عن عبد الله بن أنيس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "رأيت ليلة القدر ولكني أنسيتها، وأراني أسجد في ماء وطين" فمطرنا ليلة ثلاث وعشرين.

                                                                                                                                                                                        وكان عبد الله بن أنيس يقول: هي ليلة ثلاث وعشرين. قال: وأهل البصرة يرون أنها ليلة أربع وعشرين، وأهل الكوفة يرون أنها ليلة سبع [ ص: 852 ] وعشرين، وهو قول أبي بن كعب.

                                                                                                                                                                                        وقيل له: بأي شيء تقول ذلك يا أبا المنذر؟ فقال: بالعلامة أو بالآية التي أخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عن الشمس أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها" أخرجه مسلم.

                                                                                                                                                                                        والذي أرى: أنها تختص بالعشر الأواخر، وبالوتر منه، ولا تختص بليلة منه لا تكون في غيرها; لحديث ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اطلبوها في العشر الأواخر، في الوتر منها". وحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر". وروت عائشة، وأبو سعيد الخدري،.... [ ص: 853 ] وابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل ذلك، وكل هذه الأحاديث أخرجها البخاري، وقد تضمنت اختصاصها بالعشر الأواخر، وأنها تختص بالوتر منها، ولا تختص بليلة منها، وأنه يصح أن تكون ليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث، وخمس، وسبع، وتسع، ولو كانت تختص بليلة إحدى وعشرين- لم يصح أن تلتمس فيما بعد ذلك إلى آخر الشهر، ولا يصح أيضا القول أنها تختص بليلة ثلاث وتلتمس فيما بعد، ولا في سبع وتلتمس في تسع، ولولا أنه يصح وجودها فيما بعد الإحدى وعشرين لم يكن لقوله: "التمسوها في العشر" جملة وجه.

                                                                                                                                                                                        ومما يدل على أنها تختلف أوقاتها ما رواه أبو سعيد الخدري أنها كانت في سنة ليلة إحدى وعشرين، وما رواه عبد الله بن أنيس أنها كانت ليلة ثلاث وعشرين. ويرد على القائل أنها تختص بليلة إحدى وعشرين بحديث عبد الله بن أنيس أنها كانت ليلة ثلاث، وبحديث ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "التمسوها في السبع الأواخر". فقد أعرى ليلة إحدى وعشرين منها.

                                                                                                                                                                                        ويرد على القائلين أنها ليلة ثلاث وعشرين بحديث أبي سعيد، وحديث عائشة. ويرد على القائلين أنها ليلة سبع وعشرين [ ص: 854 ] بحديث أبي سعيد، وحديث عبد الله بن أنيس أنها كانت في بعض السنين قبل السبع. ومحمل هذه الأحاديث أنها كانت في سنة على خلاف ما كانت عليه في الأخرى.

                                                                                                                                                                                        كمل كتاب الاعتكاف من التبصرة بحمد الله وحسن عونه

                                                                                                                                                                                        والصلاة والسلام على سيدنا محمد نبيه وعبده

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية