الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل الشك في الجنابة

                                                                                                                                                                                        ومن شك، هل أجنب أو لا؟ اغتسل. ويختلف: هل ذلك واجب، أو استحباب؟ حسبما تقدم إذا أيقن بالوضوء وشك في الحدث، فإن اغتسل ثم تذكر أنه كان جنبا أجزأه غسله، وذلك أنه بمنزلة من شك هل أحدث أم لا فتوضأ ثم ذكر أنه كان محدثا، وبمنزلة من شك في الظهر فصلاها ثم تذكر أنه لم يكن صلاها، فإن صلاته تلك تجزئه، فإن قال: أنا أتخوف أن أكون أجنبت، وليس بشك عنده، إلا أنه يقول: يمكن أن يكون ونسيت- لم يكن عليه غسل، فإن اغتسل ثم تذكر أنه كان أجنب اغتسل، ولم يجزئه الغسل الأول فإن وجد بللا فقال: لا أدري هل ذلك مني أو مذي ، وأيقن أنه ليس بعرق، فوقف مالك فيه في " المجموعة" وقال: لا أدري. وقال ابن نافع : يغتسل ، [ ص: 130 ] وعلى قول ابن حبيب لا يغتسل، وهو بمنزلة من وجد حسا وقال: لا أدري هل هو ريح أم لا، والغسل أحوط.

                                                                                                                                                                                        وإن أيقن أنه مني، وشك متى حدث فإنه يغتسل، ويختلف فيما يعيده من الصلوات، فقال مالك في " الموطأ" : يعيد من أحدث نوم نام فيه.

                                                                                                                                                                                        وقال في كتاب ابن حبيب: إلا أن يكون يلبسه ولا ينزعه فإنه يعيد من أول نوم نام فيه .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في المرأة تجد في ثوبها دم حيضة ولا تدري متى أصابها ولا هل أصابها أم لا -فإنه إن كان لا يفارقها ليلا ولا نهارا تبيت فيه ويلي جسدها- فتغتسل وتعيد كل صلاة صلتها من يوم لبسته، وتعيد الصيام الواجب إن كانت صامت فيه، وإن كانت تلبسه وتنزعه وتلبسه المرة بعد المرة أو تنزعه بالليل فلا تنام فيه وتلبسه بالنهار، فتنظر إلى أحدث لبسة لبستها فتغتسل ، وتعيد ما صلت فيه، وهي بمنزلة الذي يجد في ثوبه احتلاما لا يدري متى أصابه .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن حبيب : إنما تعيد صوم يوم واحد; لأنه دم حيضة انقطع مكانه، فصارت كالجنب .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رحمه الله-: أما التفرقة بين من ينزع ذلك في النهار وبين من لا [ ص: 131 ] ينزعه، فلا وجه له ; لأنه إنما يشك هل أصابه في الليل أو النهار وفي كل تلك الليالي هو لابسه بل الذي لا ينزعه عنه أولى بألا يعيد إلا لأحدث نومة; لأنه لو كان متقدما لم يخف عنه في تلك الأيام ويخفى عنه مثل ذلك إذا كانت تغيب رؤيته له بالنهار، وهو في الحيض أبين إذا كانت لا تنزعه، لأن الدم لا يخفى إذا كان في الثوب.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يؤمر بإعادة الصلاة من أول نوم وليس بواجب، وأما الصوم فلا قضاء عليها إذا كانت تبيت فيه ثم تنزعه قبل طلوع الفجر، وإن كانت تنزعه بعد طلوع الفجر أو كأن يكون عليها بالنهار فأرى أن تنظر إلى الدم، فإن كان نقطة أو موضعا واحدا ولا يشبه أن تكون إلا عن دفعة واحدة، لم تقض إلا صوم يوم، وإن كانت نقطا أو مواضع وأمكن أن تكون تلك النقط والمواضع عن أيام- قضت بعدد ذلك ما لم يجاوز عددها عادتها في الحيض، ولا أرى أن تزيد على عادتها لأنه يمكن أن يكون جميع ذلك عن يوم أو يومين أو ما أشبه ذلك.

                                                                                                                                                                                        وليست بمنزلة من زادت عادتها حقيقة.

                                                                                                                                                                                        ولو كان يكون عليها في النهار، وتتفقده ثم وجدته في موضع لو كان متقدما لم يخف عليها، لم تقض من الصلوات ولا من الصوم إلا من آخر نوم . [ ص: 132 ]

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في النصرانية تحت المسلم: تجبر على الاغتسال من الحيضة; لأنه لا يجوز له أن يصيبها حتى تغتسل .

                                                                                                                                                                                        وروى عنه أشهب أنها لا تجبر ، فأما الجبر فلعموم قوله -عز وجل-: ولا تقربوهن حتى يطهرن [البقرة: 222].

                                                                                                                                                                                        وأما نفيه فحمل الآية على الغالب من نساء المؤمنين وهن المسلمات; ولأن الاغتسال لا يصح إلا بنية ولا نية للنصرانية، ولقوله سبحانه: إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين [البقرة: 222] ، والنصرانية غير داخلة فيمن يحبه الله، وليست من التوابين ولا من المتطهرين. [ ص: 133 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية