الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الخامس الأظفار وتقليمها مستحب لشناعة صورتها إذا طالت ولما يجتمع فيها من الوسخ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا هريرة أقلم أظفارك ، فإن الشيطان يقعد على ما طال منها ولو كان تحت الظفر وسخ فلا يمنع ذلك صحة الوضوء لأنه لا يمنع وصول الماء ولأنه يتساهل فيه للحاجة لا سيما في أظفار الرجل وفي الأوساخ التي تجتمع على البراجم وظهور الأرجل والأيدي من العرب وأهل السواد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرهم بالقلم وينكر عليهم ما يرى تحت أظفارهم من الأوساخ ولم يأمرهم بإعادة الصلاة ولو أمر به لكان فيه فائدة أخرى ، وهو التغليظ والزجر عن ذلك .

ولم أر في الكتب خبرا مرويا في ترتيب قلم الأظفار ولكن سمعت أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بمسبحته اليمنى وختم بإبهامه اليمنى وابتدأ في اليسرى بالخنصر إلى الإبهام ولما تأملت في هذا خطر لي من المعنى ما يدل على أن الرواية فيه صحيحة ؛ إذ مثل هذا المعنى لا ينكشف ابتداء إلا بنور النبوة وأما العالم ذو البصيرة فغايته أن يستنبطه من العقل بعد نقل الفعل إليه .

التالي السابق


(الخامس الأظفار) جمع ظفر بضمتين وهي أفصح اللغات وبها قرأ السبعة في قوله تعالى : حرمنا كل ذي ظفر أو جمع ظفر بضم فسكون للتخفيف وبها قرأ الحسن البصري وربما يجمع على أظفر مثل ركن وأركن أو جمع ظفر بالكسر وزان حمل أو جمع ظفر بكسرتين للإتباع وقرئ بها في الشاذ (وتقليمها مستحب) ، وهو تفعيل من القلم ، وهو القطع ، ومنه تقليم الأشجار ، وهو قطع أطرافها (لشناعة صورتها إذا طالت) ؛ لأنها تشبه حينئذ بالحيوانات ولأنها إذا تركت بحالها تخدش وتخمش وتضر (ولما يجتمع فيها) ، أي : تحتها (من الوسخ) وربما أجنب ولم يصلها الماء فلا يزال جنبا (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا هريرة قلم أظفارك ، فإن الشيطان يقعد على ما طال منها ) والمراد بالشيطان إبليس ويحتمل أن أل فيه للجنس قال العراقي : وأخرج الخطيب في الجامع من حديث جابر بإسناد ضعيف بلفظ : قصوا أظافيركم ، فإن الشيطان يجري ما بين اللحم والظفر قلت : ورواه ابن عساكر [ ص: 411 ] أيضا في تاريخه من حديث جابر إلا أن لفظه ولفظ الخطيب : خللوا لحاكم وقصوا أظفاركم والباقي سواء (ولو كان تحت الظفر وسخ) قليل (فلا يمنع ذلك صحة الوضوء) والغسل (لأنه) ، أي : ذلك الوسخ (لا يمنع وصول الماء) إلى تحت الظفر (ولأنه يتساهل فيه للحاجة لا سيما في أظفار الرجل) ، وعند أصحابنا إذا طال الظفر فغطى الأنملة فمنع وصول الماء إلى ما تحته أو كان في المحل المفروض غسله شيء يمنع الماء أن يصل إلى الجسد كعجين وشمع وجب غسل ما تحته بعد إزالة المانع ولا يمنع الوسخ الذي في الأظفار سواء فيه القروي والمصري في الأصح فيصح الغسل معه لتولده من البدن اهـ. (و) يتساهل أيضا (في الأوساخ التي تحت البراجم وظهور الأرجل والأيدي للعرب) ، أي : سكان البادية (وأهل السواد) ، أي : سكان القرى والريف (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالقلم) ، أي : القص (وينكر ما يرى تحت أظفارهم من الأوساخ) وذلك فيما رواه الحكيم الترمذي من حديث عبد الله بن بشر : قصوا أظافيركم ونقوا براجمكم ونظفوا لثاثكم (ولم يأمرهم بإعادة الصلاة) ولو ثبت ذلك لنقل : (ولو أمر به) ، أي : بإعادة الصلاة (لكان فيه فائدة أخرى ، وهو التغليظ والزجر عن ذلك) ولكنه لم يثبت ، فإن قيل : قد ذكرتم الاتفاق على أن حلق العانة وتقليم الأظفار سنة فما وجه قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد من حديث رجل من بني غفار رفعه قال : من لم يحلق عانته ويقلم أظفاره ويجز شاربه فليس منا ، وهذا يدل على وجوب ذلك والجواب عنه من وجهين أحدهما أن هذا لا يثبت ؛ لأن في إسناده ابن لهيعة والكلام فيه معروف ، وإنما يثبت منه الأخذ من الشارب فقط كما رواه الترمذي وصححه والنسائي من حديث زيد بن أرقم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من لم يأخذ من شاربه فليس منا ، والثاني أن المراد على تقدير ثبوته ليس على سنتنا وطريقتنا ، والله أعلم .

(ولم أر في الكتب) المؤلفة في الحديث (خبرا) صحيحا (مرويا) من طرق صحيحة (في ترتيب قلم الأظفار ) وقصها (ولكن سمعت) من أفواه المشايخ (أنه صلى الله عليه وسلم بدأ) في قص الأظفار (بمسبحة اليمنى) التي هي أصبع الشهادة (وختم بإبهام اليمنى وابتدأ في اليسرى بالخنصر إلى الإبهام) قال العراقي : لم أجد له أصلا ، وقد أنكره أبو عبد الله المازري في الرد على المصنف وشنع عليه به ، وقال في شرح التقريب : لم يثبت في كيفية تقليم الأظفار حديث يعمل به ، ثم نقل كلام المصنف بتمامه قال : (ولما تأملت في هذا) ، أي : فيما سمعت من المشايخ (خطر لي من المعنى ما يدل على أن الرواية فيه صحيحة ؛ إذ مثل هذا المعنى) الدقيق (لا ينكشف ابتداء إلا بنور النبوة) ، أي : باستضاءته والاقتباس منه (وأما العالم ذو البصيرة) التامة (فغايته أن يستنبطه) ، أي : ذلك المعنى (من العقل بعد نقل الفعل إليه) قال في شرح التقريب ، وقد تعقبه أبو عبد الله المازري في كتاب وقفت عليه له في الرد عليه وبالغ في هذا المكان في إنكار هذا عليه ، وقال : إنه يريد أن يخلط الشريعة بالفلسفة ، وهذا حاصل كلامه وبالغ في تقبيح ذلك والأمر في ذلك سهل ، وهكذا نقله التاج السبكي في طبقاته من ترجمة المصنف ، وقال : الأمر في ذلك سهل .




الخدمات العلمية