الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإذا كان تكره الصلاة في وقت خطبة الإمام ، فالكلام أولى بالكراهية .

وقال . علي كرم الله وجهه : تكره الصلاة في أربع ساعات : بعد الفجر ، وبعد العصر ، ونصف النهار ، والصلاة والإمام يخطب .

التالي السابق


(وإذا كانت الصلاة تكره) ، أي: إنشاؤها بتحريمة (في وقت خطبة الإمام، فالكلام أولى بالكراهة. قال علي -رضي الله عنه-: تكره الصلاة في أربع ساعات: بعد الفجر، وبعد العصر، ونصف النهار، والصلاة والإمام يخطب) قال صاحب القوت: رواه أبو إسحاق، عن الحارث، عن علي.

قلت: والمعنى بعد الفجر حتى ترتفع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب، والمراد بنصف النهار حالة استواء الشمس في كبد السماء حتى تزول، والرابع الصلاة عند خطبة الإمام. أما الوقتان الأولان، ففي الصحيحين من حديث ابن عباس قال: شهد عندي رجال مرضيون، وأرضاهم عندي عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس، وفي رواية حتى تطلع، وبعد العصر حتى تغرب، وبهذا قال مالك، والشافعي، وأحمد، والجمهور، وهو مذهب أبي حنيفة، ورواه ابن أبي شيبة في المصنف، عن عمر، وابن مسعود، وخالد بن الوليد، وأبي العالية، وسالم بن عبد الله بن عمر، ومحمد بن سيرين، وغيرهم، وقال الترمذي: وهو قول أكثر الفقهاء من الصحابة، فمن بعدهم، وذهب آخرون إلى أنه لا تكره في هذين الوقتين، وإليه مال ابن المنذر، وحكى إباحة التطوع بعد العصر عن جماعة من الصحابة، منهم علي بن أبي طالب، وبه قال أبو خيثمة، وأبو أيوب، وحكى ابن بطال إباحة الصلاة بعد الصبح، وبعد العصر، عن ابن مسعود، وأصحابه، وأبي الدرداء، وابن عمر، وابن عباس، وذهب محمد بن جرير الطبري إلى التحريم في حالتي الطلوع، والغروب، والكراهة فيما بعد الصبح، والعصر، ومثله قول ابن سيرين، وأما الوقت الثالث، فبه قال الشافعي، وأحمد، وأبو حنيفة، والثوري، وابن المبارك، والحسن بن حي، وأهل الظاهر، والجمهور، وهو رواية عن مالك، والمشهور عنه عدم كراهة الصلاة في هذه الساعة، كما في المدونة، وممن رخص في ذلك الحسن، وطاوس، والأوزاعي، وكان عطاء بن أبي رباح يكره الصلاة في نصف النهار في الصيف، ويبيح ذلك في الشتاء، وحكى ابن بطال، عن الليث مثل قول مالك، واستثنى الشافعية منها يوم الجمعة، فقالوا: لا تكره فيه الصلاة في ذلك الوقت، وبه قال أبو يوسف. قال ابن عبد البر: وهو رواية عن الأوزاعي، وأهل الشام، وحكاه ابن قدامة في المغني، عن الحسن، وطاوس، والأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، وابن راهويه، وذهب أبو حنيفة، ومحمد بن الحسن، وأحمد بن حنبل، وأصحابه إلى أنه لا فرق في الكراهية بين يوم الجمعة، وغيره .



[ ص: 270 ] (تنبيه)

اختلف العلماء في النهي عن الصلاة في هذه الأوقات؛ هل هو للتحريم، أو للتنزيه؟ ولأصحاب الشافعي فيه وجهان، فالذي صححه النووي في الروضة، وشرح المهذب أنه للتحريم، وصحح في التحقيق أنها كراهة تنزيه، وهل تنعقد الصلاة لو فعلها، أو هي باطلة؟ صحح النووي في الروضة تبعا للرافعي بطلانها، ولو قلنا: إنها كراهة تنزيه، وقد صرح بذلك النووي في شرح الوسيط تبعا لابن الصلاح، واستشكله الأسنوي في المهمات بأنه كيف يباح له الإقدام على ما لا ينعقد، وهو تلاعب. قال العراقي: ولا إشكال فيه؛ لأن نهي التنزيه إذا رجع إلى نفس الصلاة يضاد الصحة كنهي التحريم، كما هو مقرر في الأصول .



(تنبيه آخر) :

قال أصحاب الشافعي: النهي في جميع الصور إنما هو في صلاة لا سبب لها، فأما ما له سبب متقدم عليه، أو مقارن له، فيجوز فعله في وقت الكراهة؛ كالفائتة، وصلاة الجنازة، وسجود التلاوة، والشكر، وركعتي الطواف، وصلاة الكسوف، وسنة الوضوء، وصلاة الاستسقاء على الأصح، وتحية المسجد إذا دخل لغرض غير صلاة التحية، فلو دخل لا لحاجة؛ بل ليصلي التحية فقط، ففيه وجهان؛ ذكر الرافعي، والنووي أن أقيسهما الكراهة، وقولهم: أو ما له سبب متقدم، أو مقارن؛ خرج به ما له سبب متأخر عنه؛ كصلاة الاستخارة، وركعتي الإحرام، فيكره فعلهما في وقت الكراهة على الأصح، وللحنفية، والحنابلة في المسألة تفصيل آخر ليس هذا محله .



(فصل)

نعود إلى مسألة الباب. قال أصحابنا: من كان بعيدا عن الخطيب لا يسمع ما يقول، فقال محمد بن سلمة: يسكت، وروي هذا عن أبي يوسف، قال ابن الهمام: وهو الأوجه، وروي عن نصر بن يحيى أنه يقرأ القرآن، وروى حماد، عن إبراهيم قال: إني لأقرأ جزأين يوم الجمعة والإمام يخطب، وأجاز في الخانية التسبيح، والتهليل، والمختار أنه يسكت، كما في الولوالجية، وعلله ابن الهمام بأنه قد يصل إلى أذن من يسمع، فيشغله عن فهم ما سمعه، أو عن السماع، بخلاف النظر في الكتاب، أو الكتابة. اهـ .

وفي المحيط، فأما دراسة الفقه، والنظر في الكتاب، وكتابته، فمن أصحابنا من كره ذلك، ومنهم من قال: لا بأس به، وكذا روي عن أبي يوسف، وقال الحسن بن زيادة: ما دخل العراق أحد أفقه من الحكم بن زهير، وأنه كان يجلس مع أبي يوسف يوم الجمعة، وينظر في كتابه، ويصحح بالقلم وقت الخطبة .

ثم إذا أشار برأسه، أو بيده، أو بعينه إن رأى منكرا؛ هل يكره له ذلك أم لا؟ فمن أصحابنا من كره ذلك، وسوى بين الإشارة، والتكلم باللسان، والصحيح أنه لا بأس به، كذا في فتح القدير .




الخدمات العلمية