الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فقال أبو هريرة وكيف تكون آخر ساعة ، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يوافقها عبد يصلي ولات حين صلاة فقال كعب ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قعد ينتظر الصلاة فهو في الصلاة قال ، : بلى ، قال فذلك صلاة ، فسكت أبو هريرة .

وكان كعب مائلا إلى أنها رحمة من الله سبحانه للقائمين بحق هذا اليوم ، وأوان إرسالها عند الفراغ من تمام العمل .

التالي السابق


(و) يقال: إن كعبا اجتمع بأبي هريرة، وقال ما سبق من القول في تلك الساعة، وأنها بعد العصر (قال أبو هريرة) -رضي الله عنه- رادا عليه قوله: (كيف يكون) ذلك الوقت (آخر ساعة، وقد سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: لا يوافقها عبد يصلي) ، كما هو عند البخاري، ومسلم، وتقدم قريبا (ولات حين صلاة) ؛ إذ قد ورد النهي عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وقد تقدمت الإشارة إليه (فقال كعب) في جوابه: (ألم يقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : من قعد ينتظر الصلاة، فهو في صلاة) أخرج ابن جرير من حديث أبي هريرة: من جلس في المسجد ينتظر الصلاة، فهو في صلاة؛ ولذا قال (فقال أبو هريرة: بلى، قال) كعب: (فتلك صلاة، فسكت أبو هريرة) -رضي الله عنه-، فكأنه وافقه، وقد روي حديث الانتظار من وجه آخر من حديث أبي هريرة، وعبد الله بن سلام، وسهل بن سعد، عن أحمد، والنسائي، وابن حبان، والطبراني، والبيهقي، والضياء بألفاظ مختلفة، ثم هذه القضية. هكذا أوردها صاحب القوت، والمصنف تبعه على عادته، وقد قال العراقي: وقع في الإحياء أنها في كل سنة مرة، ثم رجع، والحديث رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن حبان من حديث أبي هريرة، ولابن ماجه نحوه من حديث عبد الله بن

[ ص: 282 ] سلام.
اهـ .

قلت: وجدت بخط الشيخ شمس الدين الداودي ما نصه: صحح أبو زرعة الدمشقي أن أبا هريرة إنما روى الحديث كله عن كعب. اهـ .

فعلى هذا لذكر كعب في القصة أصل .

وأما حديث عبد الله بن سلام، فأخرجه مالك، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن خزيمة، وابن حسان، والحاكم في المستدرك من طريق محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة بلفظ: خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يصلي يسأل الله فيها شيئا إلا أعطاه. قال أبو هريرة: فلقيت عبد الله بن سلام، فذكرت له هذا الحديث، فقال: أنا أعلم تلك الساعة، فقلت: أخبرني بها، ولا تضن بها علي قال: هي بعد العصر إلى أن تغرب الشمس. قلت: وكيف تكون بعد العصر، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا يوافقها عبد مسلم وهو يصلي، وتلك الساعة لا يصلى فيها؟ قال عبد الله بن سلام: أليس قد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من جلس مجلسا ينتظر الصلاة، فهو في صلاة؟ قلت: بلى، قال: فهو.ذاك لفظ الترمذي، وقال: حسن صحيح، وفي رواية أبي داود، والنسائي، والحاكم قال عبد الله بن سلام: هي آخر ساعة من يوم الجمعة، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ورواه أحمد في مسنده من حديث العباس، وهو ابن عبد الرحمن بن عيناء، عن محمد بن مسلمة الأنصاري، عن أبي سعيد، وأبي هريرة بلفظ: إن في الجمعة ساعة. الحديث، وفي آخره: هي بعد العصر .

وقد يكون قول عبد الله بن سلام هذا أنها بعد العصر إلى الغروب، كما تقدم عن الترمذي قولا مستقلا، وهو القول الثاني عشر، وفي سنن ابن ماجه ما يدل على رفعه ذلك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أخرجه من رواية أبي سلمة عنه. قال: قلت ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس: إنا لنجد في كتاب الله تعالى في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يصلي يسأل الله فيها شيئا إلا قضى له حاجته. قال عبد الله: فأشار إلي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : أو بعض ساعة، فقلت: صدقت، أو بعض ساعة. قلت: أي ساعة؟ قال: آخر ساعة في النهار. قلت: إنها ليست ساعة صلاة، قال: بل إن العبد المؤمن إذا صلى، ثم جلس لم يحبسه إلا الصلاة، فهو في صلاة. وهذا ظاهره الرفع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويحتمل أن القائل: أي ساعة هو أبو سلمة، والمجيب له هو عبد الله بن سلام، ويوافق الأول ما رواه البزار في مسنده، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، وأبي سعيد، فذكر الحديث في ساعة الجمعة. قال: وعبد الله بن سلام يذكر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، هي آخر ساعة. قلت: إنما قال: وهو يصلي، وليست تلك ساعة صلاة، قال: أما سمعت، أو أما بلغك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: من انتظر الصلاة، فهو في صلاة. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: رجح أحمد، وإسحاق، وآخرون قول ابن سلام هذا، واختاره ابن الزملكاني، وحكاه عن نص الشافعي. اهـ .

(وكان كعب مائلا إلى أنها رحمة من الله - عز وجل - للقائمين بحق اليوم، وأوان إرسالها عند الفراغ من تمام العمل) . قلت: وهذا قول عبد الله بن سلام، كما ذكره غير واحد، وهذا ذكره ابن الزملكاني، وحكى ميل الشافعي إليه، وعلله بما ذكر، وأما كعب، فإنه كان يقول بأنها في كل سنة مرة، ثم رجع، كما تقدم نقله عن العراقي.




الخدمات العلمية