الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ونية الولي تقوم مقام نية المجنون والصبي .

ونية السلطان تقوم مقام نية المالك الممتنع عن الزكاة

التالي السابق


ثم إذا ناب في إخراج الزكاة عن المالك غيره فله صور؛ منها: نيابة الولي عن الصبي والمجنون، وإليه أشار المصنف بقوله: (ونية الولي تقوم مقام نية المجنون والصبي) أي: فيجب على الولي أن ينوي، قال القاضي ابن كج: فلو دفع بلا نية لم يقع الموقع، وعليه الضمان، ومنها [ ص: 88 ] أن يتولى السلطان قسمة زكاة إنسان، وإليه أشار المصنف بقوله: (ونية السلطان تقوم مقام نية المالك) فإن دفعها إليه طوعا ونوى عند الدفع كفى، وكذا حال (الممتنع عن الزكاة) فيأخذها منه قهرا إذا نوى عند الدفع كفى، ولا يشترط نية السلطان عند التفرقة؛ لأنه نائب المساكين، فإن لم ينو المالك ونوى السلطان أو لم ينو فوجهان؛ أحدهما: يجزئه، وهو ظاهر نصه في المختصر وبه قطع كثير من العراقيين، والثاني: لا يجزئه؛ لأنه نائب عن المساكين، ولو دفع المالك إلى المساكين بلا نية لم يجزه، فكذا إلى نائبهم .

وهذا الثاني هو الأصح عند القاضي أبي الطيب وصاحبي المهذب والتهذيب وجمهور المتأخرين، وحملوا كلام الشافعي رحمه الله على الممتنع يجزئه المأخوذ وإن لم ينو، لكن نقل عن نصه في الأم أنه قال: يجزئه وإن لم ينو طائعا كان أو كارها، فإذا امتنع عن أداء الزكاة، فللسلطان أخذها منه كرها، خلافا لأبي حنيفة، قال الرافعي لنا: قوله تعالى: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم ولا يأخذ الأقدر الزكاة على الجديد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في المال: ليس في المال حق سوى الزكاة، وقال في القديم: يأخذ مع الزكاة شطر ماله؛ لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: في كل أربعين من الإبل السائمة بنت لبون، من أعطاها مؤتجرا بها فله أجرها، ومن منعها فأنا آخذها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا، ليس لآل محمد فيها شيء. وقال النووي في زيادات الروضة: المشهور هو الجديد، والحديث الوارد بأخذ شطر ماله ضعفه الشافعي رحمه الله، ونقل أيضا عن أهل العلم بالحديث أنهم لا يثبتونه، وهذا الجواب هو المختار، أما جواب من أجاب من أصحابنا أنه منسوخ فضعيف؛ فإن النسخ يحتاج إلى دليل، ولا قدرة لهم عليه هنا ا ه .

قلت: الحديث المذكور أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم والبيهقي من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، وقد قال يحيى بن معين في هذه الترجمة: إسناده صحيح إذا كان من دون بهز ثقة، وقال أبو حاتم: هو شيخ يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال الشافعي: ليس بحجة، وهذا الحديث لا يثبته أهل العلم بالحديث ولو ثبت لعلمنا به، وكان قال به في القديم، وسئل عنه أحمد، فقال: ما أدري ما وجهه، فسئل عن إسناده، فقال: صالح الإسناد، وقال ابن حبان: كان يخطئ كثيرا، ولولا هذا الحديث لأدخلته في الثقات، وهو ممن أستخير الله فيه، وقال ابن عدي: لم أر له حديثا منكرا، وممن قال بأن حديث بهز هذا منسوخ أبو جعفر الطحاوي في بيان المشكل، والبيهقي، وتعقب النووي ذلك من أن الذين ادعوا كون العقوبة كانت بالأموال في أول الإسلام ليس بثابت ولا معروف، ودعوى النسخ غير مقبولة مع الجهل بالتاريخ، والجواب عن ذلك ما أجاب به إبراهيم الحربي، فإنه قال في سياق هذا المتن: لفظة وهم فيها الراوي، وإنما هو: فإنا آخذوها من شطر ماله، أي: يجعل ماله شطرين فيخير عليه المصدق، ونأخذ الصدقة من خير الشطرين؛ عقوبة لمنعه الزكاة، فأما ما لا يلزمه فلا، نقله ابن الجوزي في جامع المسانيد عن إبراهيم الحربى ا ه .




الخدمات العلمية