الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أما من أكل عامدا في طرفي النهار ثم ظهر له أنه أكل نهارا بالتحقيق فعليه القضاء وإن بقي على حكم ظنه واجتهاده فلا قضاء عليه ولا ينبغي أن يأكل في طرفي النهار إلا بنظر واجتهاد .

التالي السابق


(فأما من أكل عامدا في طرفي النهار) على ظن أن الصبح لم يطلع بعد وأن الشمس قد غربت فكان غالطا (ثم ظهر له أنه أكل نهارا بالتحقيق فعليه القضاء) هكذا رواه المزني ووافقه الأصحاب على هذه الرواية ووجهه أنه تحقق خلاف ما ظنه واليقين مقدم على الظن ولا يبعد استواء حكم الغلط في دخوله الوقت وخروجه كما في الجمعة وهذا هو الأصح والأظهر في المذهب ومنهم من نقل عن المزني خلاف ذلك (وإن بقي على حكم ظنه واجتهاده فلا قضاء عليه) والحكم بلزوم القضاء وعدمه في الصوم الواجب أما في التطوع فيفطر ولا قضاء وحكى الموفق بن طاهر عن محمد بن إسحاق بن خزيمة أنه يجزئه الصوم في الطرفين .

(ولا ينبغي أن يأكل في طرفي النهار إلا بظن واجتهاد) قال الرافعي : أما أكل الغالط في آخر النهار فالأحوط أن لا يأكل إلا بيقين غروب الشمس لأن الأصل بقاء النهار فيستصحب إلى أن يتيقن خلافه ولو اجتهد وغلب على ظنه دخول الليل بورد وغيره ففي جواز الأكل وجهان : أحدهما : وبه قال أبو إسحاق الإسفراييني إنه لا يجوز لقدرته على درك اليقين بالصبر وأصحهما الجواز وأما في أول النهار فيجوز الأكل بالظن والاجتهاد لأن الأصل بقاء الليل ولو هجم وأكل من غير يقين ولا اجتهاد نظر إن تبين له الخطأ فالحكم ما ذكرناه سابقا وإن تبين الصواب فقد استمر الصوم على الصحة والمعتمد وإن لم يتبين الخطأ ولا الصواب واستمر الإشكال فينظر إن اتفق ذلك في آخر النهار وجب القضاء لأن الأصل بقاؤه وإن لم يتبين الأكل على أمر يعارضه وإن اتفق في أوله فلا قضاء لأن الأصل بقاء الليل في جواز الأكل وروى بعض الأصحاب عن مالك وجوب القضاء في هذه الصورة وتردد ابن الصباغ في ثبوتها عنه ولو أكل في آخر النهار بالاجتهاد وقلنا : لا يجوز الأكل بالاجتهاد كان كما لو أكل من غير يقين ولا اجتهاد قال النووي في زيادات الروضة : والأكل هجوما بلا ظن حرام في آخر النهار قطعا وجائز في أوله وقال المصنف في الوسيط لا يجوز ومثله في التتمة وهو محمول على أنه ليس مباحا مستوي الطرفين بل الأولى تركه وقد صرح الماوردي والدارمي وخلائق بأنه لا يحرم على [ ص: 211 ] الشاك الأكل وغيره بلا خلاف في هذا لقوله تعالى : وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط وصح عن ابن عباس : كل ما شككت حتى يتبين لك والله أعلم .



(فصل)

ومن مسائل هذا الباب ما نقل أصحابنا لو أكل ناسيا فقال له آخر : أنت صائم ولم يتذكر فأكل ثم تذكر أنه صائم فسد صومه عند أبي حنيفة وأبي يوسف لأنه أخبر بأن هذا الأكل حرام عليه وخبر الواحد في الديانات حجة وقال زفر والحسن لا يفسد لأنه ناس ، ولو رأى صائما يأكل ناسيا ورأى قوة تمكنه أن يتم صومه بلا ضعف المختار أنه يكره أن لا يخبره وإن كان بحال يضعف بالصوم ولو أكل يتقوى على سائر الطاعات يسعه أن لا يخبره وإن كان مخطئا أو مكروها أفطر لوصول المفطر في جوفه وهو القياس في الناسي إلا أنا تركنا بما رويناه فصار كما إذا أكره على أن لا يأكل هو بيده أو كمن أكل وهو يظن أن الفجر لم يطلع فإذا هو طالع والقياس على الناسي ممتنع لوجهين :

أحدهما : أن النسيان غالب فلا يمكن الاحتراز عنه فيعذر وهذه الأشياء نادرة فلا يصح إلحاقها به .

والثاني : أن النسيان من قبل من له الحق وهذه الأشياء من العباد فيفترقان كالمريض والمقيد إذا صليا قاعدين بحيث يجب القضاء على المقيد دون المريض وكذا النائم إذا صب في حلقه ما يفطر حكم المكره فيفطر والله أعلم وكان أبو حنيفة أولا يقول في المكره على الجماع عليه القضاء والكفارة لأنه لا يكون إلا بانتشار الآلة وذلك أمارة الاختيار ثم رجع وقال : لا كفارة عليه وهو قولهما لأن فساد الصوم يتحقق بالإيلاج وهو مكره فيه مع أن ليس كل من انتشر آلته يجامع وقال الرافعي لو أوجر مكرها لم يفطر فلو أكره حتى فعل بنفسه ففيه قولان : أحدهما وبه قال أحمد : لا يفطر لأن حكم اختياره ساقط وأكله ليس منهيا عنه فأشبه الناسي ، والثاني وبه قال أبو حنيفة : يفطر لأنه أتى بضد الصوم ذاكرا له غايته أنه أتى له لدفع الضرر عن نفسه لكنه لا أثر له في دفع الفطر كما لو أكل أو شرب لدفع الجوع أو العطش وهذا أصح عند المصنف .




الخدمات العلمية