الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وترك السواك بعد الزوال

التالي السابق


(و) الثالثة (ترك السواك بعد الزوال ) لما فيه من إزالة الخلوف المشهود له بأنه أطيب من ريح المسك لأن ذلك مبدأ الخلوف الناشئ من خلو المعدة من الطعام والشراب وبه قال الشافعي في المشهور عنه وعبارته في ذلك : أحب السواك عند كل وضوء بالليل والنهار وعند تغير الفم إلا أني أكرهه للصائم آخر النهار من أجل الحديث في خلوف فم الصائم. أهـ . وليس في هذه العبارة تقييد ذلك بالزوال فلذلك قال الماوردي : لم يحد الشافعي الكراهة بالزوال وإنما ذكر العشي فحده الأصحاب بالزوال ، قال أبو شامة : ولو حدوه بالعصر لكان أولى لما في مسند الدارقطني عن أبي عمر كيسان القصاب عن يزيد بن بلال مولاه عن علي قال : "إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي " قال الولي العراقي في شرح التقريب : لا نسلم لأبي شامة أن تحديده بالعصر أولى بل إما أن يحد بالظهر وعليه تدل عبارة الشافعي فإنه يصدق اسم آخر النهار من ذلك الوقت لدخول النصف الأخير من النهار وإما أن لا يوقت بحد معين بل يقال : يترك السواك متى عرف أن تغير فمه ناشئ عن الصيام وذلك يختلف باختلاف أحوال الناس وباختلاف بعد عهده بالطعام وقرب عهده به لكونه لم يتسحر أو تسحر فالتحديد بالعصر لا يشهد له معنى ولا في عبارة الشافعي ما يساعده والأثر المنقول عن علي يقتضي التحديد بالزوال أيضا لأنه مبدأ العشي على أنه لم يصح عنه قال الدارقطني كيسان ليس بالقوي ومن بينه وبين علي غير معروف. أهـ . وقال ابن المنذر : كره ذلك آخر النهار الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وروي ذلك عن عطاء ومجاهد . أهـ .

وحكاه ابن الصباغ عن ابن عمر والأوزاعي ومحمد بن الحسن وفرق بعض أصحاب الشافعي في ذلك بين الفرض والنفل فكرهه في الفرض بعد الزوال ولم يكرهه في النفل لأنه أبعد من الرياء حكاه صاحب المعتمد عن القاضي حسين وحكاه المسعودي وغيره عن الإمام أحمد وقد حصل من ذلك مذاهب :

الأول : الكراهة بعد الزوال مطلقا .

الثاني : الكراهة آخر النهار من غير تقييد بالزوال .

الثالث : تقييد الكراهة بما بعد العصر .

الرابع : نفي استحبابه بعد الزوال من غير استيجاب الكراهة .

الخامس : الفرق بين الفرض والنفل .

ثم إن المشهور عند أصحاب الشافعي زوال الكراهة بغروب الشمس وقال الشيخ أبو حامد لا تزول الكراهة حتى يفطر فهذا "مذهب سادس " وذهب الأكثرون إلى استحبابه لكل صائم في أول النهار وآخره كغيره وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والمزني وقال الترمذي بعد روايته حديث عامر بن ربيعة "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- ما لا أحصي يتسوك وهو صائم " : والعمل على هذا عند أهل العلم لا يرون بالسواك للصائم بأسا ثم قال ولم ير الشافعي بالسواك بأسا أول النهار وآخره . أهـ .

قال الولي العراقي : وهذا قول غريب عن الشافعي لا يعرف نقله إلا في كلام الترمذي واختاره العز بن عبد السلام وأبو شامة والثوري وقال ابن المنذر رخص فيه للصائم بالغداة والعشي النخعي وابن سيرين وعروة بن الزبير ومالك وأصحاب الرأي وروينا الرخصة فيه عن عمر وابن عباس وعائشة فكملت المذاهب في ذلك سبعة واختلفوا في مسألة أخرى وهي كراهة استعمال السواك الرطب للصائم قال ابن المنذر فمن قال : لا بأس به أيوب السختياني وسفيان الثوري والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وروينا ذلك عن ابن عمر ومجاهد وعروة ، وكره ذلك مالك وأحمد وإسحاق ورويناه عن الشعبي وعمرو بن شرحبيل والحكم وقتادة . أهـ .




الخدمات العلمية