الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ويستحب أن يضع يده على الرمانة السفلى التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده عليها عند الخطبة ويستحب له أن يأتي أحدا يوم الخميس ويزور قبور الشهداء فيصلي الغداة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ثم يخرج ويعود إلى المسجد لصلاة الظهر فلا يفوته فريضة في الجماعة في المسجد .

ويستحب أن يخرج كل يوم إلى البقيع بعد السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويزور قبر عثمان رضي الله عنه وقبر الحسن بن علي رضي الله عنهما وفيه أيضا قبر علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد رضي الله عنهم ويصلي في مسجد فاطمة رضي الله عنها ويزور قبر إبراهيم ابن رسول الله . صلى الله عليه وسلم وقبر صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك كله بالبقيع .

التالي السابق


(ويستحب أن يضع يده على الرمانة السفلى التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده عليها عند الخطبة ) ، وقد غير منبره الشريف بعد المصنف، بل وقيل أيضا بعد إصابة الحريق في المسجد الشريف سنة أربع وخمسين وستمائة بمسجد ومنبر آخر، كما ذكره المؤرخون، وقال العراقي: وضعه صلى الله عليه وسلم يده عند الخطبة لم أقف له على أصل، وذكر محمد بن الحسن بن زبالة في تاريخ المدينة أن [ ص: 423 ] طول رمانتي المنبر اللتين كان يمسكهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه الكريمتين إذا جلس شبر وأصبعان اهـ .

قلت: بل وجدت له أصلا قال ابن سعد في الطبقات: أخبرنا عبد الله بن سلمة القعنبي، وخالد بن مخلد البجلي قالا: حدثنا أبو عوانة عبد العزيز مولى الهذيل، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، قال: رأيت أناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخلوا المسجد أخذوا برمانة المنبر الصلعاء التي تلي القبر بميامنهم، ثم استقبلوا القبلة يدعون، قال أبو عبد الله: ذكر عبد الله بن سلمة الصلعاء، ولم يذكرها خالد بن مخلد.

وذكر حافظ الشام ابن ناصر الدين الدمشقي في عرف العنبر في وصف المنبر ما نصه، وفي غالب طرق أحاديث المنبر أن درجه ثلاث درج بالمقتد وكان له رمانتان، والتي تلي الحجرة الشريفة منهما هي التي كان يمسكها النبي صلى الله عليه وسلم بيمينه إذا استقبل الناس على المنبر، ويقال لها: الصلعاء، وذكر ابن النجار في تاريخ المدينة أن طول رمانتي المنبر اللتين كان النبي صلى الله عليه وسلم يمسكهما بيديه الكريمتين إذا جلس شبر وأصبعان اهـ .

والمنبر الذي كان في زمن المصنف هو من عمل بعض خلفاء بني العباس، ثم احترق في سنة 654 فأرسل صاحب اليمن الملك المظفر يوسف بن رسول سنة 656 منبرا رمانتاه من الصندل فنصب إلى سنة 666 فأرسل صاحب مصر الظاهر بيبرس منبرا طوله أربعة أذرع، ومن رأسه إلى قبته سبعة أذرع، وهو ودرجاته سبعة بالمقعد، ثم جدده الملك الأشرف قايتباي، ثم بعد ذلك جدده ملوك الروم، والله أعلم .

(ويستحب أن يأتي أحدا ) بضمتين جبل بقرب المدينة المشرفة من جهة الشام، وكان به الوقعة في أوائل شوال سنة ثلاث من الهجرة وهو مذكر فينصرف، وقيل: يجوز فيه التأنيث على توهم البقعة فيمنع، وليس بالقوي، وأما فضله فقد أخرج مسلم عن أنس - رضي الله عنه - قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد فقال: إن أحدا جبل يحبنا ونحبه، ولعل تخصيص بقائه (يوم الخميس) لكون الواقعة كانت في يوم الخميس، أو لكونه يوم فراغ أهل المدينة من أشغالهم، أو للنظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم: بورك لأمتي في غدوة الخميس، أو لغير ذلك: وهذا إن اتفق للحاج الزائر فإن لم يمكنه ففي أي يوم يتفق (ويزور قبور الشهداء ) ، هناك الذين استشهدوا في تلك الوقعة، وسيدهم سيدنا حمزة بن عبد المطلب - رضي الله عنه - عم النبي صلى الله عليه وسلم (فيصلي الغداة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، ثم يمكث إلى طلوع الشمس، و (يخرج) مع رفقة صالحة فيزور تلك المشاهد، ويصعد الجبل ويصلي في مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويشرب من ماء الغين هناك .

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن عمر قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمصعب بن عمير حين رجع فوقف عليه وعلى أصحابه، وقال: أشهد أنكم أحياء عند الله فزوروهم، وسلموا عليهم، فوالذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلا ردوا عليه إلى يوم القيامة.

وأخرجه ابن السراج مختصرا من حديث ابن عمر مرفوعا بلفظ: سلموا على إخوانكم هؤلاء الشهداء، فإنهم يردون عليكم، وأخرج ابن الجوزي في مثير العزم عن أبي مصعب الزبيري، عن العطاء بن خالد قال: حدثتني خالة لي، وكانت من العوابد، قالت: جئت قبر حمزة فصليت ما شاء الله، ولا والله ما في الوادي داع ولا مجيب وغلامي آخذ برأس دابتي، فلما فرغت من صلاتي، قلت: السلام عليكم، فسمعت رد السلام علي من تحت الأرض أعرفه كما أعرف أن الله عز وجل خلقني، فاقشعرت كل شعرة مني فدعوت الغلام وركبت .

وأما ما في سنن أبي داود عن طلحة بن عبيد الله، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نزور قبور الشهداء حتى إذا أشرفنا على حرة واقم، فلما تدلينا منها فإذا بقبور بمحنية، قال: قلنا: يا رسول الله أقبور إخواننا هذه، قال: قبور أصحابنا، فلما جئنا قبور الشهداء، قال: هذه قبور إخواننا فلعله الموضع المعروف بقبور الشهداء الآن على طريق حاج مصر (ويعود إلى المسجد) النبوي (لصلاة الظهر فلا تفوته فضيلة في جماعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، لما فيه من المضاعفة المتقدم ذكرها، (ويستحب أن يخرج كل يوم إلى البقيع ) ، وهو بقيع الغرقد مقبرة المدينة كان فيه شجر يقال له: الغرقد بالغين المعجمة والقاف [ ص: 424 ] وقد زال وبقي الاسم (بعد السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويزور قبر) أمير المؤمنين (عثمان) ابن عفان (رضي الله عنه) في آخر البقيع بموضع يقال له: حش كوكب، وعليه قبة مبنية وأسفل منه قبر فاطمة ابنة أسد أم علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، (و) يزور مشهد العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم وهو قبة عالية واسعة فيها (قبر) أمير المؤمنين (الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما) ، استشهد مسموما، ودفن هناك (و) فيه أيضا (قبر) السجاد ذي الثفنات زين العابدين، (علي بن الحسين بن علي) بن أبي طالب (و) قبر ولده أبي عبد الله (محمد) الباقر (بن علي) بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وفي هذا المشهد قبر عقيل بن أبي طالب - رضي الله عنه - ولاشتمال هذه القبة على هؤلاء السادة الكرام عرفت بقبة الأنوار، وأما ما اشتهر بمصر من مقام زين العابدين فإنما هو مشهد رأس ولده الإمام زيد بن علي وفي طرف قبة الأنوار محراب لطيف يقال: إن به قبر السيدة فاطمة رضي الله عنها، وقيل: بل قبرها في طرف الروضة الشريفة، وقد دفنت ليلا، ولذا وقع فيه الاختلاف، (ويصلي في مسجد فاطمة رضي الله عنها) كأنه يعني به المقام المنسوب إليها في قبة الأنوار (ويزور قبر إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم) ، وعليه قبة لطيفة، وبالقرب منه قبر نافع القارئ والإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى (و) ويزور (قبر صفية) بنت عبد المطلب (عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، ويزور قبور أمهات المؤمنين، وهن كلهن في قبة واحدة، (وذلك كله في البقيع ) .

وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما كانت ليلتي منه يخرج من الليل إلى البقيع فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وآتاكم ما توعدون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد، أخرجه مسلم، وعنها قالت: لما كانت ليلتي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها عندي انقلب فوضع رداءه، وخلع نعليه فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه فاضطجع، فلم يلبث إلا ريثما مقدار رقدت، فأخذ رداءه رويدا وانتقل رويدا، وفتح الباب رويدا، فخرج فأجافه رويدا، فجعلت درعي في رأسي واختمرت وتقنعت إزاري، ثم انطلقت على أثره حتى جاء البقيع فقام فأطال القيام، ثم رفع يديه ثلاث مرات، ثم انحرف فانحرفت، فأسرع فأسرعت، فهرول فهرولت، فأحضر فأحضرت، فسبقته فدخلت فليس إلا به أن اضجعت فدخل، فقال: ما لك يا عائشة شيئا رأيته قالت: قلت: لا شيء، قال: لتخبريني، أو ليخبرني اللطيف الخبير، فأخبرته، قال: فأنت السواد الذي رأيت أمامي ؟ قلت: نعم، فلهزني في صدري لهزة أوجعتني، ثم قال: أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله، قالت: قلت: مهما يكتم الناس يعلمه الله عز وجل ؟ قال: نعم، قال: فإن جبريل أتاني حين رأيت، فناداني فأخفى منكبي فأجبته فأخفيته منكبي، ولم يكن يدخل عليك، وقد وضعت ثيابك، وقد ظننت أن قد رقدت وكرهت أن أوقظك، وخشيت أن تستوحشي فقال: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فستغفر لهم، قالت: كيف أقول يا رسول الله، قال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله للاحقون. أخرجه مسلم.

وعن ابن عمر مرفوعا: أنا أول من تنشق عنه الأرض، ثم أبو بكر، ثم عمر، ثم آتي أهل البقيع فيحشرون معي، ثم أنتظر أهل مكة حتى يحشروا بين الحرمين، أخرجه ابن حبان وابن الجوزي في مثير العزم .

وعن نافع قال: حدثتني أم قيس بنت محصن قالت: لقد رأيتني ورسول الله صلى الله عليه وسلم آخذ بيدي في سكة المدينة ما هي إلا نخل ما بها بيت حتى انتهى إلى بقيع الغرقد، فقال: يا أم قيس، قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: ترين هذه المقبرة، قلت: نعم يا رسول الله، قال: يبعث منها يوم القيامة سبعون ألفا على صورة القمر ليلة البدر يدخلون الجنة بغير حساب، فقام رجل، فقال: يا رسول الله وأنا ؟ قال: وأنت، فقام آخر، فقال: وأنا؟ قال: سبقك بها عكاشة أخرجه أبو محمد القاسم بن علي بن عباس في فضائل المدينة.



(فصل) .

نذكر فيه من دفن بالبقيع من الصحابة من المهاجرين والأنصار وغيرهم على طريق [ ص: 425 ] الاختصار بترتيب حروف التهجي: الأرقم بن أبي الأرقم، أسامة بن زيد، أسعد بن زرارة، أسيد بن حضير، بسر بن أرطأة، البراء بن معرور، جابر بن عبد الله، جبار بن صخر، جبير بن مطعم، الحارث بن خزيمة، حاطب بن أبي بلتعة، حكيم بن حزام، حويطب بن عبد العزى، ركانة بن عبد يزيد، زيد بن ثابت، أبو طلحة زيد بن سهل، سعد بن مالك، أبو سعيد الخدري، سعد بن معاذ، سعد بن أبي وقاص، سعيد بن زيد، سعيد بن يربوع، سهل بن وهب، سهل بن سعد، صهيب بن سنان، عثمان بن مظعون، عبد الرحمن بن عوف، عبد الرحمن بن صخر، أبو هريرة، عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، عبد الله بن أنيس، عبد الله بن سلام، عبد الله بن عبد الأسد، أبو سلمة، عبد الله بن عتيك، عبد الله بن عمرو بن قيس هو ابن أم مكتوم، عبد الله بن كعب بن عمرو، عبد الله بن مسعود، عمرو بن أبي سلمة، عمرو بن أمية الضمري، عمرو بن حزم، عويمر بن ساعدة، قتادة بن النعمان، كعب بن عجرة، كعب بن عمر، وأبو اليسر مكتوم بن المهدم، كناز بن الحصين، أبو مرثد مالك بن أوس بن الحدثان، مالك بن التيهان، أبو الهيثم مالك بن ربيعة، أبو أسيد الساعدي، محمد بن مسلمة، مخرمة بن نوفل، مسلمة بن مخلد، مسطح بن أثاثة، معاذ بن عفراء، نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، نوفل بن معاذ رضي الله عنهم أجمعين .




الخدمات العلمية