الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الثالث التوسع في الزاد وطيب النفس بالبذل والإنفاق من غير تقتير ولا إسراف بل على اقتصاد وأعني بالإسراف التنعم بأطيب الأطعمة والترفه بشرب أنواعها على عادة المترفين .

فأما كثرة البذل فلا سرف فيه إذ لا خير في السرف ولا سرف في الخير كما قيل وبذل الزاد في طريق الحج نفقة في سبيل الله عز وجل والدرهم بسبعمائة درهم .

قال ابن عمر رضي الله عنهما من كرم الرجل طيب زاده في سفره وكان يقول أفضل الحاج أخلصهم نية وأزكاهم نفقة وأحسنهم يقينا وقال صلى الله عليه وسلم الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة فقيل له . : يا رسول الله ما بر الحج فقال : طيب الكلام وإطعام الطعام .

التالي السابق


(الثالث التوسع في الزاد ) الذي يحمله معه مما لا بد له منه مما يحتاج إليه (من غير تقتير ولا إسراف) ، أي لا يضيق على نفسه [ ص: 434 ] ورفيقه ولا يوسع توسيعا (بل) يستعمل (على الاقتصاد) في كل شيء والكفاية (وأعني بالإسراف التنعم بأطايب الأطعمة) بالنسبة إلى حاله (والترفه بشرف أنواعها على عادة المترفين) المتنعمين (فأما كثرة البذل) في محله، (فلا سرف فيه إذ لا خير في السرف ولا سرف في الخير كما قيل) .

ونقله الراغب في الذريعة ( وبذل الزاد في طريق الحج نفقة في سبيل الله تعالى والدرهم بسبعمائة) ، نقله صاحب القوت، وقال: روي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: أخرجه أحمد وابن أبي شيبة، عن بريدة - رضي الله عنه - مرفوعا بلفظ: النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله الدرهم بسبعمائة ضعف، وفي معنى ذلك ما أخرجه الدارقطني من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها في عمرتها: إن لك من الأجر قدر نصبك ونفقتك، وقد جاء أيضا أن النفقة في الحج يبدل الدرهم أربعين ألف ألف .

قال المحب الطبري: أخبرنا عمر بن محمد البغدادي، أخبرنا الحافظ أبو سعيد أحمد بن محمد البغدادي، أخبرنا عمرو بن أبي عبد الله بن منده، قال: أخبرني والدي الحافظ، أخبرنا أحمد بن عبد الله الحمصي، حدثنا موسى بن عيسى، حدثنا موسى بن أيوب، حدثنا الحسن بن عبد الله، عن عقبة الفزاري، عن يعقوب بن عطاء، عن أبيه، عن هانئ بن قيس، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا خرج الحاج من بيته كان في حرز الله فإن مات قبل أن يقضي نسكه وقع أجره على الله، وإن بقي حتى يقضي نسكه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وإنفاق الدرهم الواحد في ذلك الوجه يعدل أربعين ألف ألف فيما سواه، ثم قال صاحب القوت: (قال ابن عمر ) - رضي الله عنه - وغيره (من كرم الرجل طيب زاده في سفره ) قلت: وهذا يحتمل أن يكون معناه نفاسة زاده أو المراد طيب نفسه في بذله .

وسيأتي قول ابن عمر هذا للمصنف في الباب الثاني من كتاب آداب الأكل، ثم قال صاحب القوت: (وكان يقول) أي ابن عمر (أفضل الحجاج أخلصهم تقية ) هكذا هو لفظ القوت، وفي بعض نسخ الكتاب: أخلصهم له نية (وأزكاهم نفقة) أي أطيبهم (وأحسنهم يقينا) أي: بالله، (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) متفق عليه من حديث أبي هريرة، وأوله: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والمبرور هو الذي لا يخالطه إثم، وقيل: المتقبل، وقيل: الذي لا رياء فيه ولا سمعة ولا رفث ولا فسوق، وقوله: ليس له جزاء إلخ. . أي: لا يقتصر فيه على تكفير بعض الذنوب، بل لا بد أن يبلغ به الجنة .

وقد رويت زيادة في هذا الحديث، وهي (قيل: يا رسول الله وما بر الحج قال: طيب الكلام وإطعام الطعام ) ، وهو بهذه الزيادة رواه أحمد من حديث جابر بن عبد الله بسند لين، ورواه الحاكم مختصرا، وقال: صحيح الإسناد، قاله العراقي قلت: هكذا هو عند المخلص الذهبي بلفظ: إطعام الطعام، وطيب الكلام، ولفظ أحمد: إطعام الطعام وإفشاء السلام.




الخدمات العلمية