الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الباب الثالث .

في أدعية مأثورة ومعزية إلى أسبابها وأربابها .

مما يستحب أن يدعو بها المرء صباحا ومساء وبعقب كل صلاة .

فمنها دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ركعتي الفجر قال ابن عباس رضي الله عنهما " بعثني العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته ممسيا وهو في بيت خالتي ميمونة فقام يصلي من الليل فلما صلى ركعتي الفجر قبل صلاة الصبح قال : اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي وتجمع بها شملي وتلم بها شعثي وترد بها الفتن عني وتصلح بها ديني وتحفظ بها غائبي وترفع بها شاهدي وتزكي بها عملي وتبيض بها وجهي وتلهمني بها رشدي وتعصمني بها من كل سوء .

اللهم أعطني إيمانا صادقا ويقينا ليس بعده كفر ورحمة أنال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة .

اللهم إني أسألك الفوز عند القضاء ومنازل الشهداء وعيش السعداء والنصر على الأعداء ومرافقة الأنبياء .

اللهم إني أنزل بك حاجتي وإن ضعف رأيي وقلت حيلتي وقصر عملي وافتقرت إلى رحمتك فأسألك يا كافي الأمور ويا شافي الصدور كما تجير بين البحور أن تجيرني من عذاب السعير ومن دعوة الثبور ومن فتنة القبور .

اللهم ما قصر عنه رأيي وضعف عنه عملي ولم تبلغه نيتي وأمنيتي من خير وعدته أحدا من عبادك أو خير أنت معطيه أحدا من خلقك فإني أرغب إليك فيه وأسألكه يا رب العالمين .

اللهم اجعلنا هادين مهتدين غير ضالين ولا مضلين حربا لأعدائك وسلما لأوليائك نحبب بحبك من أطاعك من خلقك ونعادي بعداوتك من خالفك من خلقك .

اللهم هذا الدعاء وعليك الإجابة وهذا الجهد وعليك التكلان وإنا لله وإنا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ذي الحبل الشديد والأمر الرشيد أسألك الأمن يوم الوعيد والجنة يوم الخلود مع المقربين الشهود والركع السجود الموفين بالعهود إنك رحيم ودود وأنت تفعل ما تريد .

سبحان الذي لبس العز وقال به سبحان الذي تعطف بالمجد وتكرم به سبحان الذي لا ينبغي التسبيح إلا له سبحان ذي الفضل والنعم ، سبحان ذي العزة والكرم سبحان الذي أحصى كل شيء بعلمه .

اللهم اجعل لي نورا في قلبي ونورا في قبري ونورا في سمعي ونورا في بصري ونورا في شعري ونورا في بشري ونورا في لحمي ونورا في دمي ، ونورا في عظامي ، ونورا من بين يدي ونورا من خلفي ونورا عن يميني ، ونورا عن شمالي ، ونورا من فوقي ، ونورا من تحتي اللهم زدني نورا ، وأعطني نورا ، واجعل لي نورا .

التالي السابق


* ( الباب الثالث) *

( في) ذكر ( أدعية مأثورة) أي: منقولة من الأخبار الصحيحة ( معزاة) أي: منسوبة ( إلى أسبابها وأربابها [ ص: 63 ] مما يستحب أن يدعو بها المريد) السالك في طريق الحق سبحانه ( صباحا ومساء وبعقب كل صلاة) مما سيأتي بيانها ( فمنها دعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد ركعتي الفجر) أي: سنته .

( قال ابن عباس) رضي الله عنهما: ( "بعثني العباس إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأتيته ممسيا) أي: بعدما أمسى الوقت ( وهو في بيت خالتي ميمونة) بنت الحارث الهلالية -رضي الله عنهما- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أي: في نوبتها، فنام عندها؛ لأن أباه إنما أرسله؛ ليرى صلاته -صلى الله عليه وسلم- بالليل ليستن بها ( فقام) صلى الله عليه سلم ( فصلى من الليل) ما شاء الله له أن يصلي وصلى معه ابن عباس .

( فلما صلى الركعتين) اللتين ( قبل صلاة الفجر) وهما سنتا الفجر ( قال في دعائه: اللهم إني أسألك) أي: أطلب منك ( رحمة من عندك) أي: ابتداء من غير سبب، وقال القاضي: نكر الرحمة تعظيما لها؛ دلالة على أن المطلوب رحمة عظيمة، لا يكتنه كنهها، ووصفها بقوله: "من عندك" مريدا لذلك التعظيم؛ لأن ما يكون من عنده لا يحيط به وصف، كقوله: وعلمناه من لدنا علما .

( تهدي) أي: ترشد ( بها قلبي) إليك، وتقويه لديك، وخصه؛ لأنه محل الفعل ومناط التجلي ( وتجمع بها شملي) أي: تضمه، بحيث لا أحتاج إلى أحد غيرك، وفي رواية: "أمري" بدل "شملي" ( وتلم بها شعثي) أي: ما تفرق من أمري، فيصير ملتئما غير متفرق ( وترد بها ألفتي) بضم الهمزة وكسرها، مصدر بمعنى اسم المفعول، أي: ألفي أو مألوفي، أي: ما كنت آلفه، وفي بعض النسخ: "ترد بها الفتن عني" وهو تحريف .

( وتصلح بها ديني) ولفظ القوت: "وتقضي بها ديني" ( وتحفظ بها غائبي) وفي بعض الروايات: "وتصلح بها غائبي والمراد بالغائب ما غاب، أي: باطني، وإصلاح الدين وحفظ الغائب بالإيمان والأخلاق المرضية والملكات الرضية .

( وترفع بها شاهدي) أي: ظاهري، بالأعمال الصالحة، والهبات المطبوعة، والخلال الجميلة، وفيه حسن مقابلة بين الغائب والشاهد ( وتزكي بها عملي) أي: تزيده وتنميه وتطهره من أدناس الرياء والسمعة ( وتبيض بها وجهي) هكذا هو في القوت، وقد سقطت هذه الجملة من بعض الروايات ( وتلهمني بها رشدي) أي: تهدينا بها إلى ما يرضيك، ويقربني إليك زلفى، وفي بعض النسخ: "وتلقني" بدل "تلهمني" وهكذا هو في القوت ( وتعصمني) أي: تحفظني وتمنعني ( بها من كل سوء) أي: تصرفني عنه وتصرفه عني .

( اللهم أعطني إيمانا صادقا) هكذا هو في القوت، وقد سقطت هذه الجملة من بعض الروايات ( و) وإنما فيها: اللهم أعطني ( يقينا ليس بعده كفر) أي: جحد لدينك؛ فإن القلب إذا تمكن منه نور اليقين انزاحت عنه ظلمات الشكوك، واضمحلت منه غيوم الريب ( ورحمة) أي: عظيمة جدا ( أنال بها شرف كرامتك) أي: إكرامك ( في الدنيا والآخرة) هكذا هو في القوت، وفي بعض الروايات: "شرف الدنيا والآخرة" أي: علو القدر فيهما .

( اللهم إني أسألك الفوز عند القضاء) وفي رواية: "الصبر عند القضاء" وفي رواية: "العفو" وفي أخرى: "الفوز في القضاء" أي: الفوز باللطف فيه ( ومنازل الشهداء) وفي رواية: "نزل الشهداء" ( وعيش السعداء) وهم الفائزون بالسعادة الأخروية ( والنصر على الأعداء) الدينية، أي: الظفر بهم ( ومرافقة الأنبياء) وسقطت هذه الجملة من بعض الروايات .

( اللهم إني أنزل) بالضم ( بك حاجتي) أي: أسألك قضاء ما أحتاج إليه من أمور الدنيا والآخرة ( وإن ضعف رأيي) أي: على إدراك ما هو الأنجح ( وقصر عملي) أي: عن بلوغ مراتب الكمال، وقصر بالتشديد بمعنى عجز، وفي رواية: "وإن قصر رأيي وضعف عملي" .

( وافتقرت إلى رحمتك) هكذا في النسخ بإثبات واو العطف، ومثله في القوت، والرواية بإسقاطها، والمعنى: احتجت في بلوغ ذلك إلى شمولي برحمتك التي وسعت كل شيء ( فأسألك) أي: فبسبب ضعفي وافتقاري أطلب منك ( يا قاضي الأمور) أي: حاكمها ومحكمها، وفي بعض النسخ: "يا كافي الأمور" ( وشافي الصدور) يعني: القلوب التي في الصدور من أمراضها التي إن توالت عليها أهلكتها هلاك الأيد ( كما تجير) أي: كما تفصل وتحجز ( بين البحور) من اختلاط أحدهما بالآخر مع الاتصال، وتكفه من البغي عليه مع الالتصاق ( أن تجيرني من عذاب السعير) بأن تحجزه عني ( ومن دعوة الثبور) أي: النداء بالهلاك ( ومن فتنة القبور) بأن ترزقني الثبات عند سؤال [ ص: 64 ] منكر ونكير، قال ذلك إظهارا لكمال العبودية، وإخباتا له، وتواضعا؛ لما ثبت من الخارج عصمة الأنبياء من كل ما ذكر .

( اللهم ما قصر عنه رأيي) أي: اجتهادي في تدبيري ( وضعف عنه عملي) هكذا في القوت، وسقطت من بعض الروايات ( ولم تبلغه نيتي) أي: تصحيحها في ذلك الشيء المطلوب ( وأمنيتي) هكذا في النسخ، ومثله في القوت، وفي رواية: "ولم تبلغه مسألتي" ( من) كل ( خير وعدته أحدا من عبادك) هكذا في رواية البيهقي، ومثله في القوت، وفي بعض الروايات: "من خلقك" بدل "من عبادك" والإضافة للتشريف ( أو خير) معطوف على ما قبله، وفي رواية: "أو خيرا" بالنصب ( أنت معطيه أحدا من خلقك) أي: من غير سابقة وعد له بخصوصه، فلا يعد بما قبله تكرارا كما قد يتوهم، وفي رواية: "من عبادك" بدل: "من خلقك" ( فإني أرغب) أي: أطلب منك بجهد واجتهاد ( إليك فيه) أي: في حصوله منك لي ( وأسألك) كذا بإثبات الضمير في القوت وسائر نسخ الكتاب، وفي رواية من غير الضمير، أي: وأسألك زيادة على ذلك، وفي رواية: بعد هذا من رحمتك ( يا رب العالمين) ذكره تتميما لكمال الاستعطاف والابتهال، وفي بعض الروايات بحذف حرف النداء .

( اللهم اجعلنا هادين) أي: دالين الخلق على ما يوصلهم للحق ( مهتدين) إلى إصابة الصواب في القول والعمل، وفي نسخة: "مهديين" وإنما قدم الأولى على الثانية مع أن من لا يكون مهديا في نفسه كيف يكون هاديا لغيره؛ إشارة إلى أن الهادي نفعه متعد إلى الغير، فبهذا النظر استحق التقديم ( غير ضالين) عن الحق ( ولا مضلين) لأحد من خلقك ( حربا لأعدائك) أي: أعداء الدين، أي: ذا حرب لهم، وفي رواية: "عدوا" بدل حربا ( وسلما) بكسر السين وسكون اللام، أي: صلحا ( لأوليائك) الذين هم حزبك المفلحون ( نحب بحبك) أي: بسبب حبنا لك ( من أطاعك من الناس) وفي بعض النسخ: "نحب بحبك الناس" وهكذا هو في القوت، وعند البيهقي ( ونعادي بعداوتك) أي: بسبب عداوتك ( من خالفك) أي: خالف أمرك ( من خلقك) .

( اللهم هذا الدعاء) أي: هذا ما أمكننا من الدعاء، قد أتينا به، ولم نأل جهدا ( وعليك الإجابة) فضلا منك لا وجوبا، وقد قلت في كتابك العزيز: ادعوني أستجب لكم فها نحن قد دعوناك فاستجب لنا .

( وهذا الجهد) بضم الجيم وفتحها، أي: الوسع والطاقة ( وعليك التكلان) بالضم، أي: الاعتماد والتوكل في سائر الأحوال ( وإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) ومن قوله: "اللهم اجعلنا هادين" إلى هنا سقط في بعض الروايات، وفي بعضها تقديم وتأخير ( ذي الحبل الشديد) هكذا في نسخ الكتاب، على أنه بدل من اسم الله -عز وجل- وفي القوت: "ذا الحبل" على تقدير: يا ذا الحبل، والرواية المشهورة بعد قوله: "رب العالمين": اللهم يا ذا الحبل الشديد، واختلفوا في ضبط هذا اللفظ، فقال ابن الأثير: يرويه المحدثون بموحدة، والمراد القرآن، أو الدين، أو السبب، ومنه: اعتصموا بحبل الله، وصفه بالشدة؛ لأنها من صفات الحبال، والشدة في الدين الثبات والاستقامة، وصوب الأزهري كونه بالياء التحتية وهو القوة، واقتصر عليه الزمخشري جازما حيث قال: الحيل هو الحول، أبدل واوه ياء، وروى الكسائي: لا حيل ولا قوة إلا بالله، والمعنى: ذا الكيد والمكر الشديد، وقيل: ذا القوة؛ لأن أصل الحول الحركة والاستطاعة .

( والأمر الرشيد) أي: السديد الموافق لغاية الصواب ( أسألك الأمن) من الفزع والأهوال ( يوم الوعيد) أي: يوم القيامة ( والجنة) أي: وأسألك الفوز بها ( يوم الخلود) أي: يوم إدخالك عبادك دار الخلود، أي: خلود أهل الجنة في الجنة وخلود أهل النار في النار، وذلك بعد فصل القضاء وانتهاء الأمر ( مع المقربين) أي: إلى الحضرات القدسية ( الشهود) أي: المقربين إلى ربهم، المشاهدين لكمال جلاله ( الركع السجود) أي: المكثرين للركوع والسجود ( الموفين بالعهود) وفي القوت بزيادة واو العطف، أي: بما عاهدوا عليه الحق والخلق ( إنك رحيم) أي: موصوف بكمال الإحسان بدقائق النعم ( ودود) أي: شديد الحب لمن والاك ( وأنت تفعل ما تريد) هكذا هو في القوت وعند البيهقي، وعند غيرهما: وإنك تفعل ما تريد، أي: فتعطي من تشاء مسؤوله وإن عظم، لا مانع لما أعطيت .

( سبحان الذي تعطف بالعز) وفي رواية للسهيلي في الروض: "لبس العز" ومعنى تعطف أي: تردى، قال الزمخشري: العطاف والمعطف كالرداء [ ص: 65 ] والمردأ، أو أعتطفه وتعطفه كارتداه وترداه، وسمي الرداء عطافا لوقوعه على عطفي الرجل، وهما ناحيتا عنقه، أي: اتصف بأنه يغلب كل شيء ولا يغالبه شيء؛ لأن العزة هي الغلبة على كلية الظاهر والباطن، وهذا من المجاز الحكمي، نحو: نهاره صائم، والمراد وصف الرجل بالصوم، ووصف الله بالعز، ومثله قوله:


يجر رباط الحمد في دار قومه

أي: هو محمود في قومه. ( وقال به) أي: غلب به على كل عزيز، وملك عليه أمره، من القيل، وهو الملك الذي ينقذ قوله فيما يريد. اهـ .

وفي الروض للسهيلي: قد صرفوا من القيل فعلا، فقالوا: قال علينا فلان، أي: ملك، والقيالة الإمارة، ومنه قوله: "سبحان الذي لبس العز وقال به" أي: ملك به وقهر، هكذا فسره الهروي في الغريبين. اهـ. وبه يعرف أن من فسره كصاحب النهاية وغيره بمعنى أحبه واختص به غير جيد .

( سبحان الذي لبس المجد) أي: ارتدى العظمة والكبرياء والشرف والكمال، وأصل المجد كرم الفعال؛ ولذلك حسن تعقيبه بقوله: ( وتكرم به) أي: أفضل وأنعم به على عباده ( سبحان الذي لا ينبغي التسبيح إلا له) أي: لا ينبغي التنزيه المطلق إلا لجلاله ( سبحان ذي الفضل والنعم، سبحان ذي القدرة والكرم) هكذا هو في القوت، وفي رواية: ذي المجد والكرم، وفي أخرى: ذي العز والكرم، وزاد البيهقي بعد هذا ( سبحان الذي أحصى كل شيء بعلمه) كذا في القوت، ولفظ البيهقي "علمه" وزاد البيهقي بعده: سبحان ذي المن، سبحان ذي الطول، سبحان ذي الجلال والإكرام .

( اللهم اجعل لي نورا) التنوين للتعظيم، أي: نورا عظيما ( في قلبي) وقدم القلب؛ لأنه مقر للتفكر في آلاء الله ومصنوعاته، والنور يتبين به الشيء ( ونورا في قبري) أستضيء به ظلمة اللحد ( ونورا في سمعي) لأنه محل السماع لآياتك ( ونورا في بصري) لأنه محل النظر إلى مصنوعاتك فبزيادته فيهما تزداد المعارف ( ونورا في شعري ونورا في بشري) أي: ظاهر جلدي ( ونورا في لحمي) الظاهر والباطن ( ونورا في دمي، ونورا في عظامي، ونورا بين يدي) أي: يسعى أمامي ( ونورا من خلفي) أي: من ورائي؛ ليتبعني أتباعي، وتقتدي به أشياعي ( ونورا عن يميني، ونورا عن شمالي، ونورا من فوقي، ونورا من تحتي) أي: اجعل النور يحفني من الجهات الست، ونص على هؤلاء؛ لأن اللعين يأتي الناس في هذه الأعضاء من تلك الجهات، فيوسوسهم وسوسة مشوبة بظلمة، فدعا بإثبات النور فيها .

( اللهم زدني نورا، وأعطني نورا، واجعل لي نورا) هكذا في القوت، وفي رواية: "اللهم عظم لي نورا، وأعطني نورا، واجعل لي نورا" وفي رواية أخرى بدل الجملة الأخيرة: "واجعلني نورا .

وفي قوله: "أعطني نورا" عطف عام على خاص، أي: اجعل لي نورا شاملا للأنوار السابقة وغيرها، وهذا دعاء بدوام ذلك؛ لأنه حاصل له، وهو تعليم لأمته .

قال القاضي: معنى طلب النور للأعضاء أن تتحلى بأنوار المعرفة والطاعة، وتعرى عن ظلم الجهالة والمعاصي، وطلب الهداية للنهج القويم والصراط المستقيم، وأن يكون جميع ما تعرض له سببا لمزيد عمله، وظهور أمره، وأن يحيط به يوم القيامة، فيسعى خلال النور، كما قال تعالى في حق المؤمنين: نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم .

ثم لما دعا أن يجعل لكل عضو من أعضائه نورا يهتدي به إلى كماله، وأن يحيط به من جميع الجوانب، فلا يخفى عليه شيء، ولا ينسد عليه طريق - دعا أن يجعل له نورا يستضيء به الناس، ويهتدون إلى سبيل معاشهم ومعادهم في الدنيا والآخرة. اهـ .

وقال الشيخ الأكبر -قدس سره-: دعا أن يجعل النور في كل عضو، وكل عضو فله دعوى بما خلقه الله عليه من القوة التي ركبها فيه، وفطره عليها، ولما علم -صلى الله عليه وسلم- ذلك دعا أن يجعل الله فيه علما وهدى، منفرا لظلمة دعوى كل مدع من عالمه هذا، ربط هذا الدعاء وآخر ما قال: "اجعلني نورا" يقول: اجعلني نورا يهتدي به كل من رآني من ظلمات بر وبحر، فأعطاه القرآن، وأعطانا الفهم فيه، وهذه منحة من أعلى المنح في رتبة هي أسنى المراتب. اهـ .

وقال في كتاب الشريعة: دعا بالنور في كل عضو، ثم قال: "اجعلني نورا" يقول: اجعلني هدى يهتدي به كل من رآني؛ فإنه من أسنى المراتب، ومعناه: غيبني عني، وكن أنت بوجودي، فأرى كل شيء ببصرك، وأسمع كل شيء بسمعك، وهكذا جميع ما فصله ولكن بنور يقع به التمييز بين الأنوار؛ حتى يعرف نور اليمين من نور الشمال، وهكذا سائر الأنوار، ثم أقمني في عين الجمع فتتحد الأنوار بوحدانية العين، فإن لم أكن هناك [ ص: 66 ] فبجعلك إياي نورا كليا، وإن كنت هناك فبجعلك لي نورا نهتدي به في ظلمات كوني .



* ( تنبيه) *

قال العراقي: الحديث بطوله رواه الترمذي، وقال: غريب، لم يذكر في أوله بعث العباس لابنه عبد الله ولا نومه في بيت ميمونة، وهو بهذه الزيادة في الدعاء للطبراني. اهـ .

قلت: وأورده بطوله صاحب القوت، فقال: رواه ابن ليلي، عن داود بن علي، عن أبيه، عن ابن عباس. اهـ .

وبسياق المصنف رواه محمد بن نصر في كتاب الصلاة، والبيهقي في كتاب الدعوات، كلهم من طريق داود بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن جده، وداود هذا عم المنصور، ولي المدينة والكوفة للسفاح، حدث عنه الكبار كالثوري والأوزاعي، ووثقه ابن حبان وغيره، وقال ابن معين: أرجو أنه لا يكذب إنما يحدث بحديث واحد، كذا روى عثمان بن سعيد عنه، وأورده ابن عدي في الكامل، وساق له بضعة عشر حديثا، ثم قال: عندي لا بأس برواياته عن أبيه عن جده، واحتج به مسلم، وخرج له الأربعة .




الخدمات العلمية