الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ووقت الركعات الأربع هو الضحى الأعلى الذي أقسم الله تعالى به فقال : والضحى والليل إذا سجى .

وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يصلون عند الإشراق ، فنادى بأعلى صوته : " ألا إن صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال فلذلك " نقول : إذا كان يقتصر على مرة واحدة في الصلاة فهذا الوقت أفضل لصلاة الضحى وإن كان أصل الفضل يحصل بالصلاة بين طرفي وقتي الكراهة وهو ما بين ارتفاع الشمس بطلوع نصف رمح بالتقريب إلى ما قبل الزوال في ساعة الاستواء واسم الضحى ينطلق على الكل وكأن ركعتي الإشراق تقع في مبتدأ وقت الإذن في الصلاة وانقضاء الكراهة ؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم : " إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها " فأقل ارتفاعها أن ترتفع عن بخارات الأرض وغبارها وهذا يراعى بالتقريب .

التالي السابق


( ووقت الركعات الأربع هو الضحى الأعلى الذي أقسم الله به فقال: والضحى والليل إذا سجى ) قال البيضاوي: والمراد بالضحى ارتفاع الشمس، وتخصيصه؛ لأن النهار يقوى فيه، أو لأن فيه كلم موسى ربه، وألقى السحرة سجدا، أو المراد به النهار، ويؤيده قوله: أن يأتيهم بأسنا ضحى في مقابلة بياتا . اهـ .

( وخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أصحابه وهم يصلون عند الإشراق، فنادى بأعلى صوته: "ألا إن صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال") هكذا هو في القوت .

وقال العراقي: رواه الطبراني من حديث زيد بن أرقم دون قوله: "فنادى بأعلى صوته" وهو عند مسلم دون ذكر الإشراق. اهـ .

قلت: وكذلك رواه أحمد، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، والطيالسي، والدارمي، وابن خزيمة، وابن حبان.

ورواه عبد بن حميد أيضا، وسمويه في فوائده، عن عبد الله بن أبي أوفى، بلفظ: "صلاة الأوابين حين ترمض الفصال".

وروى الديلمي، عن أبي هريرة مرفوعا: "صلاة الأوابين صلاة الضحى".

( ولذلك نقول: إذا كان يقتصر على مرة واحدة في صلاة الضحى فهذا الوقت أفضل) إذ هو حقيقة وقتها ( وإن كان أصل الفضل يحصل بالصلاة بين طرفي وقت الكراهة وهو ما بين ارتفاع الشمس بطلوع نصف رمح بالتقريب) والتحديد ( إلى [ ص: 141 ] ما قبل الزوال في ساعة الاستواء) في كبد السماء ( واسم الضحى ينطلق على الكل) ولكن يميز بين ساعاته بالأصغر والأوسط والأكبر ( وكأن ركعتي الإشراق تقع في مبدأ وقت الأداء للصلاة وانقضاء الكراهة؛ إذ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإن ارتفعت فارقها") الحديث بتمامه، تقدم في كتاب الصلاة، وتقدم ما المراد بالقرن، وهل هو حقيقة أم مجاز، فراجعه .

( فأقل ارتفاعها أن ترتفع عن بخارات الأرض وغبارها) الصاعد منها ( وهذا يراعى بالتقريب) وذكر صاحب العوارف بعد ركعتي الإشراق اللذين عند انصرافه من مصلاه ركعتين أخريين يقرأ المعوذتين فيهما في كل ركعة سورة، قال: وتكون صلاته هذه ليستعيذ بالله من شر يومه وليلته، ويذكر بعدهما كلمات الاستعاذة التي تقدم ذكرها .

قال: ثم يصلي ركعتين أخريين بنية الاستخارة لكل عمل يعمله في يومه وليلته، وهذه الاستخارة تكون بمعنى الدعاء على الإطلاق، وإلا فالاستخارة التي وردت بها الأخبار هي التي يصليها أمام كل أمر يريده، ويقرأ في هاتين الركعتين قل يا أيها الكافرون و قل هو الله أحد ويقرأ دعاء الاستخارة كما سبق ذكره، ويقول فيه: كل قول وعمل أريده في هذا اليوم اجعل فيه الخيرة .

قال: ثم يصلي ركعتين أخريين يقرأ في الأولى سورة الواقعة، وفي الأخرى سورة الأعلى، ويقول بعدهما: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، واجعل حبك أحب الأشياء إلي، وخشيتك أخوف الأشياء عندي، واقطع عني حاجات الدنيا بالشوق إلى لقائك، وإذا أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فاقرر عيني بعبادتك، واجعل طاعتك في كل شيء مني يا أرحم الراحمين .

ثم يصلي بعد ذلك ركعتين، يقرأ فيهما شيئا من حزبه من القرآن، ثم بعد ذلك إن كان متفرغا ليس له شغل في الدنيا ينتقل في أنواع العمل من الصلاة والتلاوة والذكر إلى وقت الضحى، وإن كان ممن له في الدنيا شغل إما لنفسه أو لعياله فليمض لحاجته ومهماته بعد أن يصلي ركعتين في خروجه من المنزل، وهكذا ينبغي أن يفعل ذلك أبدا، لا يخرج من البيت إلى جهة إلا بعد أن يصلي ركعتين؛ ليقيه الله مخرج السوء، ولا يدخل البيت إلا ويصلي؛ ليقيه الله مدخل السوء، بعد أن يسلم على من في المنزل .

وإن كان متفرغا فأحسن أشغاله في هذا الوقت إلى صلاة الضحى الصلاة، وإن كان عليه قضاء يصلي صلاة يوم أو يومين أو أكثر، وإلا صلى أربع ركعات يطولها، ويقرأ فيها القرآن، فقد كان من الصالحين من يختم القراءة في الصلاة بين اليوم والليلة، وإلا يصلي أعدادا من الركعات خفيفة بفاتحة الكتاب و قل هو الله أحد وبالآيات التي في القرآن فيها الدعاء، مثل قوله تعالى: ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير وأمثال هذه الآية، يقرأ في كل ركعة إما مرة أو يكررها مهما شاء .

ويقدر الطالب أن يصلي بين الصلاة التي ذكرناها بعد طلوع الشمس وبين صلاة الضحى مائة ركعة خفيفة، وكان في الصالحين من ورده بين اليوم والليلة مائة ركعة إلى مائتين إلى خمسمائة إلى ألف ركعة، ومن ليس له في الدنيا شغل وقد ترك الدنيا على أهلها فما باله يبطل ولا ينعم بخدمة الله تعالى؟! قال سهل بن عبد الله التستري: لا يكمل شغل عبد بالله الكريم وله في الدنيا حاجة. اهـ .




الخدمات العلمية