الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال أبو الجويرية لقد صحبت أبا حنيفة رضي الله عنه ستة أشهر ، فما فيها ليلة وضع جنبه على الأرض وكان أبو حنيفة يحيي نصف الليل ، فمر بقوم فقالوا : إن هذا يحيي الليل كله ، فقال : إني أستحي أن أوصف بما لا أفعل ، فكان بعد ذلك يحيى الليل كله ويروى أنه ما كان له فراش بالليل ويقال : إن مالك بن دينار رضي الله عنه بات يردد هذه الآية ليلة حتى أصبح أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات الآية وقال المغيرة بن حبيب : رمقت مالك بن دينار ، فتوضأ بعد العشاء ، ثم قام إلى مصلاه ، فقبض على لحيته ، فخنقته العبرة ، فجعل يقول : حرم شيبة مالك على النار ، إلهي ، قد علمت ساكن الجنة من ساكن النار ، فأي الرجلين مالك ؟ وأي الدارين دار مالك ؟ فلم يزل ذلك قوله حتى طلع الفجر وقال مالك بن دينار سهوت ليلة عن وردي ونمت ، فإذا أنا في المنام بجارية كأحسن ما يكون وفي يدها رقعة فقالت لي : أتحسن تقرأ ؟ فقلت : نعم . فدفعت إلي الرقعة ، فإذا فيها .

أألهتك اللذائذ والأماني عن البيض الأوانس في الجنان تعيش مخلدا لا موت فيها وتلهو في الجنان مع الحسان تنبه من منامك إن خيرا من النوم التهجد بالقران

التالي السابق


(وقال أبو الجويرية) عبد الحميد بن عمران الكوفي نزيل المدينة، وروى عن حماد بن أبي سليمان، وعنه حماد بن خالد الحناط ومعن بن عيسى القزاز (لقد صحبت أبا حنيفة -رضي الله عنه- ستة أشهر، فما فيها ليلة وضع جنبه) على الأرض لينام، وقد تقدم ذلك في مناقبه، (وكان أبو حنيفة ) -رضي الله عنه- من ورده (يحيي نصف الليل، فمر بقوم فسمعهم وهم يقولون: إن هذا يحيي الليل كله، فقال: إني أوصف بما لا أفعل، فكان بعد ذلك يحيي الليل كله) ، وصح عنه أنه صلى الفجر بوضوء العشاء أربعين سنة. (ويروى أنه ما كان له فراش بالليل) أي: فراش خاص يمهد له لنومه، وكل ذلك تقدم في مناقبه في كتاب العلم، (ويقال: إن) أبا يحيى (مالك بن دينار) -رحمه الله تعالى - (بات يردد هذه الآية ليله) كله حتى أصبح ( أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات ) سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون وتقدم في كتاب " آداب التلاوة " أن تميما الداري قام ليلة بهذه الآية يرددها حتى أصبح، رواه أبو عبيد في " الفضائل " وابن أبي داود في " الشريعة "، ومحمد بن نصر في " قيام الليل "، والطبراني في " الدعاء ". وتقدم أيضا عن عبد الله بن أحمد في زيادات المسند: أن الربيع بن خيثم بات ذات ليلة، فقام يصلي، فمر بهذه الآية، فجعل يرددها حتى أصبح .

(وقال المغيرة بن حبيب: رمقت مالك بن دينار، فتوضأ بعد العشاء، ثم قام إلى مصلاه، فقبض على لحيته، فخنقته العبرة، فجعل يقول: اللهم حرم شيبة مالك على النار، إلهي، قد علمت ساكن الجنة من [ ص: 190 ] ساكن النار، فأي الرجلين مالك؟ وأي الدارين دار مالك؟ فلم يزل ذلك دأبه) .وفي نسخة قوله: (حتى طلع الفجر) رواه أبو نعيم في " الحلية " بإسنادين قال: حدثنا أبو حامد بن جبلة، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا هارون بن عبد الله، حدثنا يسار، حدثنا جعفر قال: سمعت المغيرة بن حبيب أبا صالح ختن مالك بن دينار يقول: يموت مالك بن دينار وأنا معه في الدار، لا أدري ما عمله، قال: فصليت معه العشاء الأخيرة ثم جئت فلبست قطيفة في أطول ما يكون الليل، قال: وجاء مالك فقرب رغيفه فأكل، ثم قام إلى الصلاة، فاستفتح، ثم أخذ بلحيته، فجعل يقول: إذا جمعت الأولين والآخرين فحرم شيبة مالك بن دينار على النار، قال: فوالله ما زال كذلك حتى غلبتني عيني ثم انتبهت، فإذا هو على تلك الحال، يقدم رجلا ويؤخر أخرى، وهو يقول: يا رب إذا جمعت الأولين والآخرين فحرم شيبة بن مالك بن دينار على النار، فما زال كذلك حتى طلع الفجر، فقلت في نفسي: والله لئن خرج مالك بن دينار فرآني، لا تبل لي بالة عنده أبدا، قال: فجئت إلى المنزل وتركته. وقال أيضا: حدثنا أبو محمد، حدثنا محمد بن عبد الله بن ربيعة، حدثنا الشاذكوني، حدثنا جعفر بن سليمان قال: كان مالك بن دينار إذا قام في محرابه قال: يا رب قد عرفت ساكن الجنة وساكن النار، ففي أي الدارين مالك ؟ ثم يبكي .

(وقال مالك بن دينار) -رحمه الله تعالى - (سهرت ليلة عن وردي، وقمت، فإذا أنا في المنام بجارية كأحسن ما يكون) أي: حسنا وجمالا وبهجة (وفي يدها رقعة) أي: ورقة مكتوبة (فقالت لي: أتحسن تقرأ؟ فقلت: نعم. فدفعت إلي الرقعة، فإذا فيها) هذه الأبيات (أألهتك اللذائذ والأماني) أي: أشغلتك المستلذات الدنيوية والأماني الكاذبة (عن البيض الأوانس) جمع بيضاء، والأوانس جمع آنسة (في الجنان) أي: المستقرات فيها ( تعيش مخلدا) أي: أبدا (لا موت فيها) فإنه يؤتى به في صورة كبش فيذبح، وينادى: يا أهل الجنة خلود لا موت، ويا أهل النار خلود لا موت ( وتلهو في الجنان مع الحسان) أي: تشتغل بهن فيها ( تنبه من منامك) أي: من غفلتك (إن خيرا من النوم التهجد بالقرآن) أي: صلاة الليل بتلاوة القرآن .




الخدمات العلمية