الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
المرتبة الثالثة : أن يقوم ثلث الليل ، فينبغي أن ينام النصف الأول والسدس الأخير وبالجملة نوم آخر الليل محبوب لأنه يذهب النعاس بالغداة وكانوا يكرهون ذلك ويقلل صفرة الوجه والشهرة به ، فلو قام أكثر الليل ونام سحرا قلت صفرة وجهه ، وقل نعاسه وقالت عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوتر من آخر الليل فإن كانت له حاجة إلى أهله دنا منهن وإلا اضطجع في مصلاه حتى يأتيه بلال فيؤذنه للصلاة وقالت أيضا رضي الله عنها : " ما ألفيته بعد السحر إلا نائما " حتى قال بعض السلف : هذه الضجعة قبل الصبح سنة ، منهم أبو هريرة رضي الله عنه وكان نوم هذا الوقت سببا للمكاشفة والمشاهدة من وراء حجب الغيب ، وذلك لأرباب القلوب وفيه استراحة تعين على الورد الأول من أوراد النهار وقيام ثلث الليل من النصف الأخير ونوم السدس الأخير ، قيام داود صلى الله عليه وسلم .

التالي السابق


(المرتبة الثالثة: أن يقوم ثلث الليل، فينبغي أن ينام النصف الأول والسدس الآخر) وأشار إليه صاحب "القوت " بقوله: وإن أراد نام نصف الليل وقام ثلثه، ونام سدسه (وبالجملة نوم آخر الليل محبوب) . وفي نسخة: مستحب؛ (لأنه يذهب النعاس) وهو النوم [ ص: 201 ] القليل وهي ريح لطيفة تأتي من قبل الدماغ تغطي على العين، ولا يصل إلى القلب، فإذا وصل إليه كان نوما (بالغداة) أي: الصبح قبل طلوع الشمس وبعده، (وكانوا يكرهون) ذلك أي النعاس بالغداة، (ويقلل صفرة الوجه) ، فإنه إذا لم يأخذ الراحة قبل الفجر فترت الأعضاء، وغلب الكسل، فإن غالبه ولم يمكنه من نفسه أورث صفرة اللون في الوجه وفي سائر البدن، (والشهرة به، فلو قام أكثر الليل ونام سحرا) أي: في وقت السحر وهو السدس الأخير من الليل، (قلت صفرة وجهه، وقل نعاسه) ونشطت الأعضاء وتنبهت القوة .

ولفظ " القوت ": ونوم آخر الليل مستحب لمعنيين: أحدهما: أنه يذهب بالنعاس بالغدوات، وقد كانوا يكرهون النعاس بالغداة ويأمرون الناعس بعد صلاة الصبح بالنوم. والمعنى الثاني: أنه يقل صفرة الوجه، فلو قام العبد أكثر الليل ونام سحرا أذهب نعاسه بالغداة، وقلت صفرة وجهه، ولو نام أكثر الليل وسهر من السحر جلب عليه النعاس بالغداة وصفرة الوجه، فليتق العبد ذلك، فإنه باب غامض من الشهرة والشهوة الخفية به، وليقل شرب الماء بالليل، فقد يكون منه الصفرة سيما آخر الليل، وبعد الانتهاء من النوم اهـ .

(قالت عائشة - رضي الله عنها - كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أوتر من آخر الليل فإن كانت له حاجة إلى أهله دنا منهم) يعني: الجماع، (وإلا اضطجع في مصلاه) أي: موضعه الذي ينام فيه (ويصلي حتى يأتيه بلال) المؤذن -رضي الله عنه- (فيؤذنه) أي: يعلمه (بالصلاة) .

قال العراقي : رواه مسلم من حديث عائشة : " كان ينام أول الليل ويحيي آخره، ثم إن كانت له حاجة إلى أهله قضى حاجته، ثم ينام". وقال النسائي : فإذا كان من السحر أوتر ثم أتى فراشه، فإذا كانت له حاجة ألم بأهله". ولأبي داود: " كان إذا قضى صلاته من آخر الليل نظر فإن كنت مستيقظة حدثني، وإن كنت نائمة أيقظني وصلى الركعتين، ثم اضطجع حتى يأتيه المؤذن فيؤذنه بصلاة الصبح، فيصلي ركعتين خفيفتين ثم يخرج إلى الصلاة" وهو متفق عليه بلفظ: " كان إذا صلى فإن كنت مستيقظة حدثني، وإلا اضطجع حتى يؤذن بالصلاة". وقال مسلم: " إذا صلى ركعتي الفجر" .

(وقالت عائشة - رضي الله عنها -: " ما ألفيته بعد السحر الأعلى إلا نائما") تعني: رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذا في "القوت " .

قال العراقي : متفق عليه بلفظ: " ما ألفى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- السحر الأعلى في بيتي أو عندي إلا نائما" لم يقل البخاري: الأعلى. وقال ابن ماجه: " ما كنت ألفى أو ألقى النبي -صلى الله عليه وسلم- من آخر الليل إلا وهو نائم عندي" اهـ .

وفي "القوت ": وفي الخبر الآخر: " كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أوتر من آخر الليل اضطجع على شقه الأيمن ضجعة حتى يأتيه بلال فيخرج معه إلى الصلاة"، فقد كانوا يستحبون هذه بعد الوتر قبل صلاة الصبح، (حتى قال بعض السلف: هذه الضجعة قبل الصبح) وبعد الوتر (سنة، منهم أبو هريرة) -رضي الله عنه- كذا في "القوت " .

(وكان نوم هذا الوقت) من آخر الليل وفي الثلث الأخير مزيد لأهل الحضور، و (سببا للمكاشفة) لهم عن الملكوت (والمشاهدة) واستماع العلوم من الجبروت (من وراء حجب الغيب، وذلك لأرباب القلوب) الصافية الواعية (وفيه) سكن و (استراحة تعين) العمال وأهل المجاهدة (على الورد الأول من أوراد النهار) ، ولذلك حظرت بعد طلوع الفجر وبعد صلاة العصر ليستريح عمال الله سبحانه، وأهل أوراد الليل والنهار فيها، والنوم من آخر الليل هو نقصان لأهل السهو والغفلة من حيث كان فريدا لأهل الشهود واليقظة لأنه آخر خدمة أولئك، ففيه راحتهم، وهو تطاول النوم والغفلة بهؤلاء فهو نقصهم .

(وقيام ثلث الليل من النصف الأخير، ونوم السدس الأخير قيام داود عليه السلام) قال صاحب "القوت ": وقد روي أنه من أفضل القيام جاء ذلك في روايتين .




الخدمات العلمية