الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما الأخبار فقوله صلى الله عليه وسلم : " النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فقد رغب عني، وقال صلى الله عليه وسلم: النكاح سنتي فمن أحب فطرتي فليستن بسنتي .

"
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم : " تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة " حتى بالسقط .

" وقال أيضا صلى الله عليه وسلم : " من رغب عن سنتي فليس مني ، وإن من سنتي النكاح ، فمن أحبني فليستن بسنتي .

"
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " من ترك التزويج مخافة العيلة فليس منا .

وهذا ذم لعلة الامتناع لا لأصل الترك وقال صلى الله عليه وسلم : " من كان ذا طول فليتزوج .

وقال : " من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لا ، فليصم فإن الصوم له وجاء .

"
وهذا يدل على أن سبب الترغيب فيه خوف الفساد في العين والفرج .

والوجاء هو عبارة عن رض الخصيتين للفحل حتى تزول فحولته فهو مستعار للضعف عن الوقاع في الصوم .

وقال صلى الله عليه وسلم : " إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير .

التالي السابق


(وأما الأخبار) الواردة فيه (فقوله صلى الله عليه وسلم: " النكاح سنتي فمن أحب فطرتي فليستن بسنتي ") وقال العراقي : رواه أبو يعلى في مسنده مع تقديم وتأخير من حديث ابن عباس بسند حسن .

قلت: ولفظه: " من أحب فطرتي فليستن بسنتي " ورواه بتمامه البيهقي وابن عساكر من حديث أبي هريرة ، ورواه كذلك البيهقي أيضا، والضياء من حديث عبيد بن سعيد. وقال البيهقي : هو مرسل، قال الهيتمي: ورجاله ثقات .

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: " تناكحوا) لكي (تكثروا فإني أباهي بكم) أي: أفاخر بسبب كثرتكم (الأمم) السالفة (يوم القيامة) ، قال العراقي : رواه أبو بكر بن مردويه في تفسيره من حديث ابن عمر بسند ضعيف. اهـ .

قلت: ورواه كذلك عبد الرزاق في مصنفه من حديث سعيد بن أبي هلال مرسلا بسند ضعيف. وروى أحمد وابن حبان من حديث أنس: " تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأنبياء". وللطبراني من حديث معقل بن يسار نحوه، ولأحمد عن الصنابحي: " أنا فرطكم وأنا مكاثر بكم ". وللطبراني والحاكم عن عياض بن غنم: " لا تزوجن عجوزا ولا عاقرا، فإني مكاثر بكم الأمم ". .

وأما قوله: (" حتى بالسقط ") فقد رواه بهذه الزيادة البيهقي في المعرفة من طريق الشافعي بلاغا. قاله العراقي .

قلت: وهذه اللفظة قد جاءت أيضا في حديث معاوية بن حيدة عند الطبراني وغيره، كما سيأتي في آفات النكاح، لكن أوله: " خير نسائكم الودود والولود "، إلخ. وقد وقع في "القوت ": " حتى بالسقط والرضيع "، وهو غريب. والسقط: بالكسر الولد ذكرا كان أو أنثى يسقط قبل تمامه وهو مستبين الخلق .

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: " من رغب عن سنتي فليس مني، وإن من سنتي النكاح، فمن أحبني فليستن بسنتي") ، هكذا هو في "القوت ". قال العراقي : متفق على أوله من حديث أنس: " من رغب عن سنتي فليس مني "، وباقيه تقدم قبله بحديث .

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: " من ترك التزويج مخافة العيلة) أي: الفقر، (فليس منا) أي: ليس على طريقتنا. (وهذا ذم لعله الامتناع) عن التزويج (لا لأصل الترك) . قال صاحب "القوت ": رواه الحسن عن أبي سعيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. وقال العراقي : رواه الديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي سعيد بسند ضعيف، والدارمي في مسنده، والبغوي في معجمه، وأبو داود في المراسيل من حديث أبي نجيح السلمي، صحابيان أحدهما عمرو بن عبسة والآخر العرباض بن سارية، وأبو نجيح المكي والد عبد الله بن يسار فلينظر أيهم الذي ذكره العراقي . وعند الطبراني من حديث أبي نجيح: " من كان موسرا لأن ينكح ثم لم ينكح، فليس مني ". ورواه البيهقي عن أبي المفلس مرسلا بلفظ: " فلم ينكح فليس منا ". ورواه أيضا عن أبي نجيح، ورواه البغوي عن أبي المفلس عن أبي نجيح بلفظ: " من كان موسرا فلينكح، ومن لم ينكح فليس منا ".

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: " من كان ذا طول فليتزوج") قال العراقي : رواه ابن ماجه من حديث عائشة بسند ضعيف. اهـ .

قلت: ورواه أحمد من حديث عثمان بلفظ: " من كان منكم " وفي آخره: " فإنه أغض للطرف وأحصن للفرج، ومن لا، فإن الصوم له وجاء ". وسيأتي الكلام عليه في الذي يليه .

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: " من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لا، فليصم فإن الصوم له وجاء") . أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود ، والنسائي وابن ماجه من طريق علقمة. قال: كنت أمشي مع عبد الله بن مسعود بمنى فلقيه عثمان فقام معه يحدثه فقال له عثمان: يا أبا عبد الرحمن ألا نزوجك جارية شابة لعلها أن تذكرك ما مضى من زمانك ؟ فقال عبد الله: أما إن قلت ذاك، فقد قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ". وفي رواية النسائي ذكر الأسود معه أيضا وقال: إنه غير محفوظ. وأخرجه الشيخان والترمذي والنسائي من رواية الأعمش عن عبارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي عن أبي مسعود، فكان للأعمش فيه إسنادان وليس هذا اختلافا عليه .

ورواه النسائي من طريق أبي معشر عن إبراهيم عن علقمة قال: كنت مع ابن مسعود وهو عند عثمان فقال عثمان: خرج رسول الله [ ص: 287 ] -صلى الله عليه وسلم- يعني على قتيبة فقال: " من كان منكم ذا طول فليتزوج ". الحديث، جعله من مسند عثمان. والمعروف أنه من مسند ابن مسعود.

وأما معنى لفظ الحديث: استطاع، استفعل من الطاعة أصله استطوع استثقلت الحركة على الواو فنقلت إلى الساكن قبله، ثم قلبت الواو ألفا، أي: أطاق. والمراد بالباءة هنا المعنى اللغوي وهو الجماع مأخوذ من المباءاة وهي المنزل، لأن من تزوج امرأة بوأها منزلا، وإنما تتحقق قدرته بالقدرة على مؤنه، ففيه حذف مضاف أي: من استطاع منكم أسباب النكاح ومؤنه، وقيل: المراد هنا نفس مؤن النكاح سميت باسم ما يلازمها، ولا بد من أحد التأويلين، وقوله: أغض للبصر لأنه بعد حصول التزويج يضعف فيكون أغض وأحصن بما لم يكن لأن وقوع الفعل مع ضعف الداعي أندر من وقوعه مع وجود الداعي، والمراد بالبصر هنا الطرف المشتمل عليه؛ لأنه الذي يضاف إليه الغض حقيقة، والنسائي : فإنه أغض للطرف، فصرح به، واللام في للبصر وللفرج للتعدية كما قرره في أفعل التعجب نحو: ما أضرب زيدا لعمرو، ولا فرق بين البابين .

قال المصنف: (وهذا) الحديث (يدل على أن سبب الترغيب فيه خوف الفساد في العين والبصر) حيث جعل قوله: فإنه.. إلخ علة لقوله: فليتزوج .

(والوجاء) بالكسر والمد (هو عبارة عن رض الخصيتين) أي: دقهما (للفحل) بحجر ونحوه، وأصله الغمز والطي. يقال: وجأه في عنقه ووجأ بطنه بالخنجر (حتى تزول فحولته مستعار للضعف عن الوقاع بالصوم) أي: ليس المراد هنا حقيقة الوجاء. بل سمي الصوم وجاء لأنه يقطع الشهوة ويدفع شر الجماع كما يفعل الوجاء فهو من مجاز المشابهة المعنوية لأن الوجاء قطع الفعل، وقطع الشهوة إعلام له أيضا. وقال بعضهم: الوجاء أن ترض العروق والخصيتان باقيتان بحالهما، والخصاء شق الخصيتين واستئصالهما، والجب أن تحمى الشفرة ثم تستأصل بها الخصيتان، وحكى أبو العباس القرطبي عن بعضهم: وجا بالفتح والقصر. قال: وليس بشيء لأن ذلك هو الحفاء في ذوات الخف .

قلت: إلا أن يراد فيه معنى الفتور؛ لأنه من وجئ إذا فتر عن المشي فشبه الصوم في باب النكاح بالتعب في باب المشي أي: قاطع لشهوته، فتأمل .

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: " إذا أتاكم) أيها الأولياء (من) أي رجل بخطبة موليتكم (ترضون دينه) . وفي رواية: خلقه ودينه، وفي أخرى: خلقه (وأمانته) ليكون مساويا للمخطوبة في الدين، أو المراد أنه عدل فليس الفاسق كفؤا للعفيفة، (فزوجوه) إياها ندبا مؤكدا، وفي رواية: " فأنكحوه" (إلا تفعلوه) . وفي رواية بحذف الضمير، أي: ما أمرتم به، قال الطيبي: الفعل كناية عن المجموع، أي: إن لم تزوجوا الخاطب الذي ترضون خلقه ودينه (تكن) أي: تحدث (فتنة في الأرض وفساد) وخروج عن حالة الاستقامة (كبير) . وفي رواية البيهقي: فساد عريض، والمعنى متقارب. ولفظ " القوت " فساد كبير، أي: عريض. وفي رواية كرره ثلاثا، والمعنى: إن لم ترغبوا في ذي الدين والأمانة الموجبين للصلاح والاستقامة، ورغبتهم في مجرد المال الجالب للطغيان الجار للبغي والفساد إلخ، أو المراد: إن لم تزوجوا من ترضون ذلك منه ونظرتم إلى ذي مال أو جاه يبقى أكثر النساء بلا زوج والرجال بلا زوجة، فيكثر الزنا ويلحق العار، فتهيج الفتن وتثور المحن، وتمسك به مالك على عدم رعاية الكفاءة إلا في الدين فحسب .

قال العراقي : رواه الترمذي من حديث أبي هريرة ، ونقل عن البخاري أنه لم يعده محفوظا، قال أبو داود : إنه أخطأ، ورواه الترمذي أيضا من حديث أبي حاتم المزني وحسنه، ورواه أبو داود في المراسيل، وأعله ابن القطان بإرساله وضعف رواته. اهـ .

قلت: أبو حاتم المزني صحابي له هذا الحديث الواحد. قال البخاري: ولا أعلم له غيره. اهـ .

قيل: اسمه عقيل بن ميمون، وقيل: لا صحبة له. وقال الصيدلاني: لا يعرف إلا بكنيته اختلف في صحبته، وقد أخرجه البيهقي من طريقه، ورواه ابن عدي في الكامل من طريق صالح المسبحي، عن الحكم بن خلف، عن عمار بن مطر، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر . قال الذهبي في الميزان: عمار هالك، وقال أبو حاتم: كان يكذب، وقال ابن عدي: أحاديثه بواطيل. وقال الدارقطني: ضعيف .




الخدمات العلمية