الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم حكمهما توزيع الربح والخسران على قدر المالين ولا يجوز أن يغير ذلك بالشرط

التالي السابق


(ثم حكمهما توزيع) أي: تقسيم (الربح والخسران على قدر المالين) هذا شروع في بيان أحكام الشركة، فمنها كون الربح بينهما على قدر المالين، شرط أو لم يشترط، تساويا في العمل أو تفاوتا، فإن شرطا التساوي في الربح مع التفاوت في المال فهو فاسد، وكذا لو شرطا التفاوت في الربح مع التساوي في المال، نعم لو اختص أحدهما بمزيد عمل، وشرط له مزيد ربح، ففيه وجهان، أحدهما: صحة الشركة، ويكون القدر الذي يناسب ملكه له بحق الملك، والزائد يقع في مقابلة العمل، ويتركب العقد من الشركة والقراض، وأصحهما المنع، كما لو شرطا التفاوت في الخسران، فإنه يلغى، ويتوزع الخسران على المال، وهذا معنى قول المصنف: (فلا يجوز أن يغير ذلك بالشرط) ولا يمكن جعله مشتركا وقراضا، فإن العمل في القراض يقع مخلصا بمال المالك، وهنا يتعلق بملكه وملك صاحبه، وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى: تعيين نسبة الربح بالشرط، ويكون الشرط متبعا، وللشافعي رحمه الله تعالى القياس على طرف الخسران، فإنه يسلم توزيعه على قدر المالين، وإن شرط خلافه، وإذا فسد لم يؤثر ذلك في فساد التصرفات; لوجود الإذن، ويكون الربح على نسبة المالين، ويرجع كل واحد منها على صاحبه بأجرة مثل عمله في ماله، على ما ذكره المصنف في الوجيز .

وتفصيله: أنهما إما أن يكونا متساويين في المالين، أو متفاوتين، إن [ ص: 475 ] تساويا فإما أن يتساويا في العمل أيضا، فنصف عمل كل واحد منهما يقع في ماله، فلا يستحق به أجرة، والنصف الآخر الواقع في مال صاحبه يستحق صاحبه مثل بدله عليه، فيقع في التقاص، وإن تفاوتا في العمل، فإن كان عمل أحدهما يساوي مائة، وعمل الآخر مائتين، فإن كان عمل المشروط له الزيادة أكثر، فنصف عمله مائة، ونصف عمل صاحبه خمسون، فبقي له خمسون بعد التقاص، وإن كان عمل صاحبه أكثر، ففي رجوعه بالخمسين على المشروط له الزيادة وجهان، أحدهما: الرجوع، وهو ظاهر ما أجاب به الشيخ أبو حامد، كما لو فسد القراض، فيستحق العامل أجرة المثل. وأصحهما: المنع، ويحكى ذلك عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى; لأنه عمل وجد من أحد الشريكين، لم يشترط عليه عوض، والعمل في الشركة لا يقابله عوض، بدليل ما إذا كانت الشركة صحيحة، فزاد عمل أحدهما، فإنه لا يستحق على الآخر شيئا، ويجري الوجهان فما إذا فسدت الشركة، واختص أحدهما بأصل التصرف والعمل، هل يرجع بنصف أجرة عمله على الآخر؟

وأما إذا تفاوتا في المال، بأن كان لأحدهما ألف، والآخر ألفان، فإما أن يتفاوتا في العمل أيضا، أو يتساويا، فإن تفاوتا، بأن كان عمل صاحب الأكثر أكثر، بأن كان عمله يساوي مائتين، وعمل الآخر مائة، فثلثا عمله في ماله، وثلثه في مال صاحبه، وعمل صاحبه على العكس، فيكون لصاحب الأكثر ثلث المائتين، على صاحب الأقل، ولصاحب الأقل ثلث المائة على صاحب الأكثر، وقدرهما واحد، فيقع في التقاص، فإن كان عمل صاحب الأقل أكثر، والتفاوت كما حررنا، فثلث عمل صاحب الأصل في ماله، وثلثاه في مال شريكه، وثلثا عمل صاحب الأكثر في ماله، وثلثه في مال شريكه، فلصاحب الأقل ثلثا المائتين على صاحب الأكثر وهو مائة وثلاثة وثلاثون درهما، وثلث درهم، ولصاحب الأكثر ثلث المائة على صاحب الأقل، وهو ثلاثة وثلاثون وثلث، فيبقى بعد التقاص لصاحب الأقل مائة على الآخر .

وإن تساويا في العمل، فلصاحب الأقل ثلث المائة على صاحب الأكثر، ولصاحب الأكثر ثلث المائة عليه، فيكون الثلث بالثلث قصاصا، يبقى لصاحب ثلث المائة ثلاثة وثلاثون وثلث .

ثم إن فساد العقد بهذا الشرط هو المشهور في المذهب، ونقل إمام الحرمين اختلافا للأصحاب في أن الشركة تفسد بهذا الشرط; أو يطرح الشرط والشركة بحالها لنفوذ التصرفات، ويوزع الربح على المالين، ولم يتعرض غيره لحكاية الخلاف، بل جزموا بنفوذ التصرفات، ويوزع الربح على المالين، وبوجوب الأجرة في الجملة، ولعل الخلاف راجع إلى الاصطلاح، فبعضهم يطلق لفظ الفساد، وبعضهم يمتنع منه لبقاء أكثر الأحكام، والله أعلم .




الخدمات العلمية