الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفيها دلالة على أنواع من الرخص : .

الأول : اللعب ولا يخفى عادة الحبشة في الرقص واللعب .

والثاني : فعل ذلك في المسجد .

والثالث : قوله صلى الله عليه وسلم دونكم يا بني أرفدة وهذا أمر باللعب والتماس له فكيف يقدر كونه حراما. .

والرابع : منعه لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما عن الإنكار والتغيير وتعليله بأنه يوم عيد أي : هو وقت سرور ، وهذا من أسباب السرور. .

والخامس : وقوفه طويلا في مشاهدة ذلك وسماعه لموافقة عائشة رضي الله عنها .

وفيه دليل على أن حسن الخلق في تطييب قلوب النساء والصبيان بمشاهدة اللعب أحسن من خشونة الزهد والتقشف في الامتناع والمنع منه .

والسادس : قوله صلى الله عليه وسلم ابتداء لعائشة أتشتهين أن تنظري ولم يكن ذلك عن اضطرار إلى مساعدة الأهل خوفا من غضب أو وحشة ، فإن الالتماس إذا سبق ربما كان الرد سبب وحشة وهو محذور فيقدم محذور على محذور .

، فأما ابتداء السؤال فلا حاجة فيه .

التالي السابق


(وفيها) أي: الأحاديث التي ذكرها المصنف آنفا (دلالة على أنواع من الرخص: الأول: اللعب) بالسلاح ونحوه من آلات الحرب، ويلتحق به ما في معناه من الأسباب المعينة على الجهاد وأنواع البر، (ولا تخفى عادة الحبشة في الرقص واللعب، الثاني: فعل ذلك في المسجد) قال المهلب [ ص: 495 ] شارح البخاري: المسجد موضوع لأمر جماعة المسلمين، فما كان من الأعمال مما يجمع منفعة الدين وأهله فهو جائز في المسجد، واللعب بالحراب من تدريب الجوارح على معاني الحروب، وهو من الاشتداد للعدو والقوة على الحرب فهو جائز في المسجد وغيره.

(الثالث: قوله -صلى الله عليه وسلم- دونكم يا بني أرفدة) كما هو في الصحيحين من حديث عائشة كما تقدم (وهو أمر باللعب والتماس له) ، وذلك مفهوم من قوله: دونكم (فكيف يقدر كونه حراما. الرابع: منعه لأبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- عن الإنكار والتغيير) بقوله دعهما (وتعليله بأنه يوم عيد) ، وكان يوم عيد فطر أو أضحى كما سبق ذكره، (أي: هو وقت السرور، وهذا من أسباب السرور. الخامس: وقوفه طويلا في مشاهدة ذلك وسماعه لموافقة عائشة) -رضي الله عنها- (وفيه دليل على أن حسن الخلق في تطييب نفوس النساء والصبيان بمشاهدة اللعب أحسن من خشونة الزهد والتقشف في الامتناع والمنع منه) حاصله بيان ما كان عليه -صلى الله عليه وسلم- من الرأفة والرحمة وحسن الخلق ومعاشرة الأهل بالمعروف، وذلك من أوجه: منها: تمكينه -صلى الله عليه وسلم- عائشة من النظر إلى هذا اللهو، ومنها: أنه لم يقطع ذلك عليها بل جعل الخيرة إليها في قدر وقوفها، ومنها: مباشرته -صلى الله عليه وسلم- سترها بنفسه الكريمة وبردائه وموافقتها في ذلك إلى غيره، وإلى ذلك أشارت بقولها: ثم يقوم من أجلي، وفيه أيضا أنه لا بأس بترويح النفس بالنظر إلى بعض اللهو المباح .

(السادس: قوله - صلى الله عليه وسلم- ابتداء لعائشة) -رضي الله عنها- (أتشتهين أن تنظري) كما هو في الصحيحين (لم يكن ذلك عن اضطرار إلى مساعدة الأهل خوفا من غضب أو وحشة، فإن الالتماس إذا سبق ربما كان الرد سبب الوحشة وهو محظور فيقدم محظور على محظور، فأما ابتداء السؤال فلا حاجة فيه) .

(السابع: الرخصة في الغناء والضرب بالدف من الجاريتين) المذكورتين، وفي رواية: من القينتين كما سبق (مع أنه شبه ذلك بمزامير الشيطان) كما في قول أبي بكر -رضي الله عنه- وفي لفظ آخر: نفخ الشيطان في منخريها كما سبق (وفيه بيان أن المزمار المحرم غير ذلك) ولولا ذلك لما أقره - صلى الله عليه وسلم- .

(الثامن: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرع سمعه صوت الجاريتين وهو مضطجع) في الفراش، (ولو كان يضرب الأوتار في موضع لما جوز الجلوس ثم) أي: هناك (ليقرع صوت الأوتار سمعه، فيدل هذا على أن صوت النساء غير محرم تحريم صوت المزامير بل إنما يحرم عند خوف الفتنة) قطعا، (فهذه المقاييس والنصوص تدل على إباحة الغناء والرقص والضرب بالدف واللعب بالدرق والحراب والنظر إلى رقص الحبشة والزنوج) ، ومن في حكمهم (في أوقات السرور كلها قياسا على يوم العيد فإنه وقت سرور) وفرح، (وفي معناه يوم العرس) وهو يوم دخول العروس بالعروس، (ويوم الوليمة والعقيقة والختان ويوم القدوم من السفر وسائر أسباب الفرح، وهو كل ما يجوز الفرح به شرعا، ويجوز الفرح بزيارة الإخوان ولقائهم واجتماعهم في موضع واحد على طعام أو كلام فهو أيضا مظنة السماع .السادس: سماع العشاق تحريكا للشوق) الكامن في النفس، (وتهييجا للعشق) المستكن في القلب (وتسلية للنفس المحزونة) ، فإن كان ذلك (في مشاهدة المعشوق) المحبوب إلى النفس (فالغرض) منه (تأكيد اللذة) المعنوية في شهوده إياه، (وإن كان مع المفارقة) عنه، (فالغرض) منه (تهييج الشوق والتشوق) إليه وهذا (وإن كان مؤلما) للنفس، (ففيه نوع لذة إذا انضاف إليه رجاء الوصال) عن قرب أو بعد، (فإن الرجاء) من حيث هو (لذيذ واليأس [ ص: 496 ] مؤلم) طبعا (وقوة لذة الرجاء بحسب قوة الشوق والحب للشيء) فكلما قوي الحب قويت لذة الرجاء، (ففي هذا السماع تهييج للعشق وتحريك للشوق وتحصيل لذة الرجاء المقدر في) حالة (الوصال مع الإطناب في وصف حسن المحبوب) مما أعطي من الكمال فيه (وهذا) شك أنه (حلال إن كان المشتاق إليه ممن يباح وصاله شرعا، وهذا كمن يعشق زوجته أو سريته) أي: جاريته المملوكة له، (فيصغي إلى عتابها لتتضاعف لذته في لقائها فيحظى بالمشاهدة البصر، وبالسماع الأذن، ويفهم لطائف معاني الوصال والفراق القلب فتترادف أسباب اللذة) .

ومن ذلك ما حكى الماوردي في الأحكام السلطانية أن أبا الأزهر حكى أن أبا عائشة رأى رجلا يكلم امرأة في الطريق فقال: لئن كانت حرمتك إنه لقبيح بك، وإن لم تكن حرمتك فأقبح ثم تولى، فجلس يحدث الناس فإذا رقعة ألقيت في حجره مكتوب فيها:


إن التي أبصرتني سحرا أكلمها رسول أدت إلي رسالة
كادت لها روحي تسيل من فاتر الألحاظ يجـ
ـذب خصره ردف ثقيل



أبيات ذكرها فقرأها ابن أبي عائشة، ووجد مكتوبا على رأسها أبو نواس، فقال: ما لي وللتعرض لأبي نواس؟ قال: وليس فيما قاله أبو نواس صريح فجور لاحتمال أن يكون إشارة إلى ذي محرم . اهـ .

(فهذا) وأمثال ذلك (نوع تمتع من جملة مباحات الدنيا ومتاعها وما متاع الحياة الدنيا إلا لعب ولهو) كما قال تعالى: وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون وقال أيضا: إنما الحياة الدنيا لعب ولهو كما قال تعالى: وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون (وهذا) الذي ذكرناه (منه) أي: داخل في جملته، (وكذلك إن غصبت منه جارية) أو غابت (أو حيل بينه وبينها بسبب من الأسباب) وكان يهواها (فله) ، وفي نسخة: فلعله (أن يحرك بالسماع شوقه وأن يستثير به رجاء الوصال) كما جرى ذلك كثيرا في الأزمنة السالفة (فإن باعها) برضا نفسه إما لفقر ألجأ إليه أو لغير ذلك من الأسباب الضرورية (أو طلقها حرم عليه ذلك بعد إذ لا يجوز تحريك الشوق حيث لا يجوز تحقيقه بالوصال والرجاء، وأما من يتمثل في نفسه صورة صبي أو امرأة لا يحل له النظر إليها، وكان ينزل على ما يمثل في نفسه حرام) قطعا (لأنه محرك للفكر) الرديئة (في الأفعال المحظورة ومهيج للداعية إلى ما لا يباح الوصال إليه) فينبغي حسم هذه المادة وسد أبوابها، (وأكثر العشاق) البطالة (والسفهاء) من العامة (من الشباب في وقت هيجان الشهوة) النفسية (لا ينفكون عن إضمار شيء من ذلك، فذلك ممنوع في حقهم لما فيه من الداء الدفين) المتكتم في النفس الأمارة بالسوء (لا لأمر يرجع إلى نفس السماع، ولذلك سئل حكيم) من الحكماء (عن العشق) ما هو؟ (فقال) : هو (دخان) مظلم (يصعد إلى دماغ الإنسان) تهيجه الشهوة (يزيله الجماع ويحركه السماع) وقد اختلطت عباراتهم في العشق ذكر بعضها الإمام أبو محمد جعفر بن أحمد بن الحسين السرج في كتابه مصارع العشاق .




الخدمات العلمية