الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن أبوابه العظيمة: البخل وخوف الفقر فإن ذلك هو الذي يمنع من الإنفاق والتصدق ويدعو إلى الادخار والكنز والعذاب الأليم وهو الموعود للمكاثرين كما نطق به القرآن العزيز .

وقال خيثمة بن عبد الرحمن إن الشيطان يقول: ما غلبني ابن آدم غلبة، فلن يغلبني على ثلاث: أن آمره أن يأخذ المال من غير حقه وإنفاقه في غير حقه ومنعه من حقه .

وقال سفيان : ليس للشيطان سلاح مثل خوف الفقر ، فإذا قبل ذلك منه أخذ في الباطل، ومنع من الحق ، وتكلم بالهوى ، وظن بربه ظن السوء، ومن آفات البخل: الحرص على ملازمة الأسواق لجمع المال والأسواق هي معشش الشياطين .

وقال أبو أمامة إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إن إبليس لما نزل إلى الأرض قال: يا رب أنزلتني إلى الأرض وجعلتني رجيما فاجعل لي بيتا ، قال: الحمام، قال: اجعل لي مجلسا، قال: الأسواق ومجامع الطرق، قال: اجعل لي طعاما ، قال: طعامك ما لم يذكر اسم الله عليه ، قال: اجعل لي شرابا ، قال: كل مسكر ، قال: اجعل لي مؤذنا ، قال : المزامير ، قال: اجعل لي قرآنا ، قال: الشعر ، قال: اجعل لي كتابا ، قال: الوشم قال: اجعل لي حديثا ، قال: الكذب ، قال: اجعل لي مصايد ، قال: النساء .

التالي السابق


(ومن أبوابه العظيمة البخل وخوف الفقر) في الحال والمستقبل؛ (فإن ذلك هو الذي يمنع) الإنسان (من الإنفاق) في سبيل الله (و) من (التصدق) على المستحقين (ويدعو إلى الادخار والكنز والعذاب الأليم) أي: الموجع (وهو الموعود للمكاثرين كما نطق به القرآن) وهو قوله تعالى والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم (وقال خيثمة بن عبد الرحمن) بن أبي سبرة يزيد بن مالك الجعفي ، لأبيه ولجده صحبة، قال ابن معين والنسائي : ثقة ، وقال العجلي: كان رجلا صالحا وكان سخيا ، قال: ورئي على إبراهيم النخعي قباء فقيل له: من أين لك هذا؟ فقال: كسانيه خيثمة ، مات بعد سنة ثمانين، روى له الجماعة، (إن الشيطان يقول: ما غلبني ابن آدم غلبة، فلن يغلبني على ثلاث) خصال (أن آمره أن يأخذ المال من غير حقه وإنفاقه في غير حقه ومنعه من حقه) أي: يأخذ من حيث لا يستحق أخذه، وينفق على من لا يستحق ، ويمنع عمن يستحقه، (وقال سفيان) الثوري: (ليس للشيطان سلاح) يقاتل به ابن آدم (مثل خوف الفقر ، فإذا أقبل ذلك منه أخذ في

[ ص: 280 ] الباطل، ومنع من الحق ، وتكلم بالهوى ، وظن بربه ظن السوء) وإليه الإشارة بقوله تعالى: الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء .

(ومن آفات البخل الحرص على ملازمة الأسواق لجمع الأموال) وكذا المسافرة إلى بلاد بعيدة، وركوب الأخطار لذلك (والأسواق هي معشش الشياطين) أي: مجمعهم الذي يلازمونه ويركزون فيها راياتهم، (وروى أبو أمامة) الباهلي رضي الله عنه (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إن إبليس لما نزل إلى الأرض قال: يا رب أنزلتني إلى الأرض وجعلتني رجيما) أي: مرجوما مطرودا (فاجعل لي بيتا آخر ، قال: الحمام) فهو يسكن فيه دائما؛ إذ هو محل كشف العورات، (قال: اجعل لي مجلسا) أجلس فيه (قال: الأسواق ومجامع الطرق) فهي محل انتشارهم، (قال: اجعل لي طعاما ، قال: ما لم يذكر اسم الله عليه ، قال: اجعل لي شرابا ، قال: كل مسكر ، قال: اجعل لي مؤذنا ، قال : المزامير ، قال: اجعل لي قرآنا ، قال: الشعر ، قال: اجعل لي كتابا ، قال: الوشم) وهو غرز الجلد بالإبرة، ثم يذر عليه النؤر وهو دخان الشحم حتى يخضر ، وقد وشمت المرأة يدها وشما: إذا فعلت ذلك، وهو من فعل الجاهلية ، وقد بقي عادة في عوام الريف (قال: اجعل لي حديثا ، قال: الكذب ، قال: اجعل لي مكايد ، قال: النساء) " فهن حبائل الشيطان" كما رواه أبو نعيم في الحلية من حديث عبد الرحمن ابن عابس بلفظ: " الشباب شعبة من الجنون والنساء حبالة الشيطان " ورواه ابن لال من حديث ابن مسعود، وأكثر الروايات: " حبائل الشيطان " بلفظ الجمع ، قال العراقي: حديث أبي أمامة هذا رواه الطبراني في الكبير ، وإسناده ضعيف جدا ، ورواه بنحوه من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف أيضا .




الخدمات العلمية