الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
القسم الخامس أن يعبر بلسان المقال عن لسان الحال فالقاصر الفهم يقف على الظاهر ويعتقده نطقا والبصير بالحقائق يدرك السر فيه ، وهذا كقول القائل : قال الجدار للوتد : لم تشقني ؟ قال : سل من يدقني ، فلم يتركني ورائي ، الحجر الذي ورائي ، فهذا تعبير عن لسان الحال بلسان المقال ، ومن هذا قوله تعالى ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فالبليد يفتقر في فهمه إلى أن يقدر لهما حياة وعقلا وفهما للخطاب وخطابا هو صوت وحرف تسمعه السماء والأرض فتجيبان بحرف وصوت وتقولان : أتينا طائعين ، والبصير يعلم أن ذلك لسان الحال ، وأنه إنباء عن كونهما مسخرتين بالضرورة ومضطرتين إلى التسخير .

التالي السابق


(القسم الخامس أن يعبر بلسان المقال عن لسان الحال) فلسان المقال: هي الجارحة، وله نغمة مخصوصة يميزها السمع، كما أن له صورة مخصوصة يميزها البصر، ولسان الحال ما أنبأ عن حال قام به، ولو لم يكن نطقا (فالقاصر الفهم) الذي فهمه مقصور على ما تلقفه، وجامد عليه (يقف على الظاهر) ولا يتجاوزه (يعتقده نطقا بالحقيقة) والنطق في العرف العام الأصوات المقطعة التي يظهرها اللسان وتعيها الآذان، ولا يقال إلا للإنسان، ولا يقال لغيره إلا على سبيل التبع .

وقال المصنف في كتاب "المعارف الإلهية": النطق معنى زائد على الكلام والقول، وذلك لأن الجنين يوصف بالنطق; لأنه ناطق بالقوة، ولو لم يكن ناطقا لم يعد من الناس، ولا يقال له: قائل؛ لأن قوله بالفعل، ثم قال: والنطق أشرف الأحوال وأجل الأوصاف، وهو أصل الكلام والقول، وماهيته تصور النفس صور المعلومات وقدرة النفس على الاستماع لغيرها بما ينتج في العقل بأي لغة كانت، وبأي عبارة اتفقت (والبصير بالحقائق) أي: المتبصر بمعرفة حقائق الأشياء كما هي (يدرك السر) الذي هو مخفي (فيه، وهذا كقول) بعضهم :


امتلأ الحوض وقال قطني مهلا رويدا قد ملأت بطني



وكقول (القائل: قال الجدار للوتد:) كـ"كتف"، والمشهور على الألسنة للمسمار (لم تشقني؟) من شقه إذا أوقعه في المشقة (قال: سل من يدقني، فلم يتركني، وراء) فعل أمر من راءى يرائي، أي: انظر (الحجر الذي ورائي، فهذا) وأمثاله (تعبير عن لسان الحال بلسان المقال، ومن هذا قوله تعالى: فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ) الإتيان هو المجيء مطلقا، وقيل: بسهولة، والطوع الانقياد ويضاده الكره، وطائعين أي: منقادين، أي: لم يمتنعا عليه مما يريدهما به (فالبليد) الذهن (يفتقر في فهمه) لهذه الآية (إلى أن يقدر لهما حياة مخلوقة) وفي بعض النسخ بزيادة الأرض والسماء بدون لهما (وعقلا وفهما للخطاب ويقدر خطابا من صوت وحرف) بحيث (تسمعه الأرض والسماء فتجيب بحرف وصوت وتقول: أتينا طائعين، والبصير) العارف (يعلم أن ذلك لسان الحال، وأنه إنباء) أي: إخبار (عن كونها مسخرة بالضرورة ومضطرة إلى التسخير) والانقياد والتسخير سياقة الشيء إلى الغرض المختص به .




الخدمات العلمية